لا تزال الصحافة «الورقية» ذات نكهةٍ ممتعةٍ وجذابة لا يتقن الاستمتاع بها إلا المتذوقون، ومع أن الصحافة الكلاسيكية التقليدية ذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية تشكل أهميةً في المجتمعات على اختلاف مستوياتها فهي أيضاً قد اكتسبت مع الوقت مذاقاً خاصاً يستحيل أن تجده في أي وسيلة إعلامية أخرى. وأذكر هنا سيرة بارون الصحافة البريطانية اللورد «روي تومسون» الذي تعد حياته قصة نجاح مميزة، ففي سرداب أسفل البناء الضخم لكاتدرائية القديس بولس حيث كانت بدايات مدينة لندن يوجد نصب تذكاري أنيق تعلوه نقوش خالدة تقول: «اللورد تومسون لورد بلدة فليت الذي وضع صناعة إصدار الصحف البريطانية في اتجاه جديد». نشأ روي تومسون بعيداً عن جذوره فرغم أنه ولد لعائلة فقيرة في تورونتو بكندا عام 1894 وكان يعاني عدم القدرة على الإبصار الجيد إلا أن ذلك ساعد على زيادة عناده وتصميمه، ومنذ سنوات مراهقته الأولى فقد انغمس في تجارة محدودة دون أن يحقق نجاحاً كبيراً. هنا بدأت قصة إعلام مميزة لم يكن هناك الكثير ليستمع له مستخدمو أجهزة الراديو خلال الثلاثينيات لذا اشترى روي تومسون من أحدهم رخصة مهملة لبث محطة إذاعية، وبدأت محطته «سي أف سي إتش» بالبث في بلدة «نورث باي» في مارس 1931. كان روي تومسون الرجل ذو المهنة الغريبة يشق طريقه فاشترى عام 1934 صحيفة محلية صغيرة اسمها «تيمينز ديلي برس» ليبدأ ما أصبح في الحال امبراطورية إعلامية متنوعة، ومع نهاية الأربعينيات امتلك تومسون 19 صحيفة، وكان رئيساً لرابطة ناشري الصحف اليومية الكنديين! لكنه شعر بالحنين لموطنه القديم فرحل تومسون الذي بحث عن جذوره إلى مدينة أدنبرة في عام 1952، وفي العام التالي لوصوله اشترى صحيفة «ذا سكوتسمان» مما منحه مكانة خاصة. ومن ثم جاء دور التلفزيون فقد جاءت الحكومة بما كان يطلق عليه كنوع من الاستنكار «التلفزيون التجاري» وقد تمكن تومسون استناداً إلى مكانته كمالك لصحيفة «سكوتسمان» من رئاسة المجموعة التي فازت بالعلامة التجارية للتلفزيون الأسكتلندي الذي أطلق عام 1957. كان روي تومسون رجلاً ترك بصمته على الملكية التقليدية للصحافة البريطانية. فقد استخدم الأرباح التي جناها من تلفزيون اسكتلندا «إس تي في» لشراء مجموعة من الصحف، بما في ذلك صحيفة «صنداي تايمز». عندما ارتبك مالكو صحيفة «التايمز» التي كان يطلق عليها «لندن تايمز»، بسبب بعض الخسائر المالية عام 1966 كان تومسون هناك ليختطف الصحيفة! وقد تطورت امبراطوريته الصحفية لتضم أكثر من 200 صحيفة في بريطانياوكندا والولايات المتحدة إضافة إلى مجموعة كبيرة من مؤسسات النشر. لم يقتصر طموحه على النشر فحسب فبسبب علاقتها بإسكتلندا انضمت منظمة تومسون العالمية إلى مجموعة من الشركات التي عملت في حقول النفط في بحر الشمال. وتتوالى الأحداث الغريبة ففي 1979 تم إغلاق كل من «التايمز» و«صنداي تايمز» لمدة عام بعد نزاع مع عمال المطابع! وبعد ذلك بوقت ليس بالطويل قام ابنه كينيث ببيع هاتين الصحيفتين لروبرت ميردوخ الذي هيمن على نقابات المطابع في خطوة غيرت صورة شارع «فليت ستريت». وقد تلا ذلك بيع عدة صحف أخرى وعلى الرغم من أن المطابع لم يكن لها دور فيه إلا أن روي تومسون كان قد أنشأ امبراطورية تجارية هائلة. وقد ورث السيد ديفيد وهو حفيد روي تومسون رئاسة الشركة عام 2006 وواصل تطوير العمل بشراء وكالة أنباء «رويترز» بعد ذلك بسنتين وهو الآن يرأس شركة اسمها «تومسون رويترز» أكبر مزود للمعلومات التجارية والاقتصادية في العالم. إنها قصة عائلية مدهشة وجديرة بالملاحظة تقوم على الرجل الذي كان لا يزال بطاقة فاشلة في كل الأعمال التجارية الأخرى عندما كان في عمر السادسة والثلاثين ولم يكن معروفاً إلا داخل كندا عندما أصبح في الرابعة والخمسين ثم أصبح شخصية معروفة على المستوى القومي في بريطانيا فقط عندما أصبح في الستينات من عمره!! توفي روي تومسون عام 1976 عن عمر يناهز 82 عاما.