حين نؤمن بالمقادير فإنها لن تؤلمنا.. مؤكد أن السير خلف السرابات هو احتراق لذواتنا اللاهثة.. ويبدو أن التوقف يخضع للركض.. والركض يكسر التوقف.. فنحتار. ما يلفت الانتباه إصرارنا الواعي أحيانا على خوض أرض غير ممهدة من قبل.. ومخالفة الواقع.. مع أن الحياة تسوقنا بتدبير الله عز وجل إلى ان نخوض في كل مناحيها واتجاهاتها، فنقابل أناسا مختلفين، وبشرا مميزين، وخلقا متشابهين وآخرين. والثابت حولنا أننا لا ننظر إلى داخلنا بصدق من هنا نحتاج إلى شيء مهم يجعلنا نعيد توازن أنفسنا وإعادة صياغة ذواتنا. قد يكون في دواخلنا نسمع الصخور وهي تتكلم، وتصرخ، وتقيم حوارا كرموز تستحث مناطق ما في خيالنا موجودة في عمق كل واحد منا، وهي في كل الأحوال محاولة لأن نصرخ بصوت السكوت. هنا فقط من خلال هذا الشيء المهم يمكننا التسلل إلى أعماق النفس عبر مخاطبة اللاوعي، بمنطق المغاير، يطرح تساؤلات بصورة مستمرة وغير مباشرة، فيمثل ذلك تحديا للنفس كنوع من التشكيل النفساني الجديد.. اقتربوا وأنصتوا!! أحيانا تفتح نافذة من زمن الوقوف أمام ذواتنا، وفي كل حين نرى بوضوح أكثر، فتكون الصورة التي قد نراها في قمة وضوحها وتكون صورتك أنت أو هو، نحن نخاف أن نرى أنفسنا، أو نواجه رؤيتها، لكن جميل أن نكتشف أنفسنا من خلال الآخرين، فقد تجد نفسك منفتحا في زمن انغلاق، أو منغلقا في زمن انفتاح، قد تكون معزولا في الزحام ومنطويا في زاوية غريبة، أو في حالة انهزام بدون معركة، ولا ندري ما سبب انحسارنا التام عن الآخرين. دوما نردد العاقل خصيم نفسه ونحتاج إلى تلك المرآة التي تكشف خفايانا التي نعلمها قبل التي نجهلها فتزداد الرؤية وضوحا يفوق النظر. نعم تلك المرآة التي سنجادلها بشأننا حين نكتشف دواخلنا من الآخرين الصادقين العقلاء، وحتى نرى جيدا لابد من مسح وتنظيف وتلميع المرآة حتى لا تعيق الشوائب امتداد البصر ولا تختلط بقايا الأغبرة بالنظر. كم منا يحتاج للوقوف أمام المرآة وخلف روحه ليكتشف نفسه قبل أن يتعرضه الآخر بالكشف فيتعرف على ماهيته، وأخطائه، وأخلاقه، وسلوكه، وكلامه، ونضجه، ويصل إلى ماذا يريد كيف يريد؟ ويدرك ماذا عمل وماذا يعمل؟ ويفهم الحقيقة قبل الخيال والصواب قبل الغلط. مؤكد أن تلك المرآة ستقول له أشياء مختلفة في زمن وعالم مختلفين بعقلية مختلفة.. من منا جد في البحث عن المرآة المناسبة له ليتوصل إلى حقيقته.. كم من المرايا لا نعيرها انتباها إلا عند الزينة عندما تكشف لنا بعض عيوبنا الشكلية وكم من المرايا نذهب إليها ونقصدها لنصلح من أشكالنا وملامحنا ونعدل في زينتنا وكم من المرايا نحملها في حقائبنا وفي حاجياتنا لكي نتمعن فيها صورنا ونعدل ما نستطيع تعديله من شكليات وملامح نقية زائلة. بعد هذا كله نحن وكثير منا نتجاهل أن نحمل مرايا تكشف ما بداخلنا وتعرفنا بعيوبنا الداخلية ونتجاهل قيمة المرايا الحقيقية في حياتنا وننتظر الآخرين يكتشفوننا ثم نغضب أو نعتب أو نتضايق مع أن الناس المخلصين الناصحين لنا هم المرايا الحقيقية لنا لكننا لا نستطيع حملهم في جيوبنا أو حقائبنا أو مستلزماتنا.. والمسلم مرآة أخيه المسلم. حقيقة ان من الضرورة أن نبدل مفاتيح المعرفة بذواتنا بمفاتيح جديدة نقية، راقية، دقيقة حقيقة، صادقة، صريحة.. لابد أن نصنع مكونات مرآتنا الداخلية من سمات إيماننا، ومبادئ ديننا، ونضج عقولنا، وحركة ضمائرنا، وأنفسنا المطمئنة، وذواتنا الساكنة، أعصابنا الهادئة، ولنحمل تلك المرآة على معالي عقولنا، وفي ساحة بصيرتنا، ونعلقها على جدران أفئدتنا وسنجد تلك المرآة تعيش داخلنا ونعيش داخلها ونرى بها وبوضوح من نحن؟ أمام الآخرين وخلف أنفسنا. علينا وعليهم مواصلة الوقوف والتخلص من وهم القدرات، ووهن التردد الذي يسيطر، فصناعة شخصية مقبولة جديدة لا تحتاج سوى إلى روح متوثبة عاشقة لهذه المرآة، ولا ينبغي أن نتوقف ويتوقفوا بعيدا عنها فالفكرة أكثر بساطة وتجريدا، وأكثر عمقا وتركيزا، ولها علاقة بالنفس البشرية، وعلى الإنسان أن يجرب كل مشروع مختلف. يبقى القول: التجريب بإذن الله لابد أن يأتي بشيء جديد ومغاير، وعليه ألا ينطلق من صفة ملتصقة به وسابقة، لأننا عندما نلتزم الأنماط التي أسست لها شخصياتنا المائلة، فإننا لا نقدم جديدا، ولن نتقدم فاحرصوا على اختيار مراياكم وتنقيتها من الشوائب لتتعرفوا على الكثير عنكم وكونوا مرايا صدق ومحبة لغيركم يكونوا مرايا لكم.