في أول كل عام لكل منّا استقباله الخاص، فهناك من يرى نقاط في الكأس، وهناك من يرى نصفه فقط، وآخر يريده كاملًا أو طافحًا، حتى إن عجز عن حمله، وللمرء قدرة ومقدرات يعرف بعضها ويخفى عليه الكثير، والقليل قد يكون الأنسب إن حمل الإنسان مقدرة السعي.. وإن تقاعسنا قليلًا أو أخذتنا دروب الحياة؛ فلنحاول النهوض بعد كل مرة ننحني فيها للريح العاصفة. هناك من ينظر في الداخل بعمق، وهناك من يراقب الخارج بلهفة، وبين الاثنين قد تضيع المسافة وقد ينضج المرء إن نظر في كل الاتجاهات بقدر من اللهفة والتعمق، فلا انكفاء على النفس ولا شرود تام إلى الآخر. وإن تعرضت للأذى بانزلاق منك أو من غيرك، فقاعدة المرايا الجانبية تشير إلى أن واقع الأجسام أصغر مما تبدو عليه، فلا تركن للمرايا المكبرة دومًا، فكل أمر مهما كان مصيره للتلاشي التدريجي. لا تخجلنا الأخطاء، فنحن بشر نصيب ونخطأ، ولكن تكرارها والتماس الأسباب المختلفة لذلك هو أكثر إضعافًا وإخجالًا. لو ضربت طفلًا ضربة خفيفة وأنت «توبّخه» لبكى. ولو ضربته بشكلٍ أقوى وأنت «تداعبه» لضحك، فالكلمة -أحيانًا- قد تكون أحدُّ من السيف، فتخيل كم وجّهت من كلمات وأثرها عليك لو كنت في موقع المتلقي، إلا أن الباب ما زال مفتوحًا لضخ الفرح، ومحو الأعاصير التي بذرناها هنا وهناك. في كل امرئ مهما كان مقدار إعتامه نقاط مضيئة، يمكن أن نعيد شحذها بقدر من التسامح والصفح، فلا تتوانى عن المحاولة، ومد مشعلك إلى الرماد، فقد تجد فيه جمرة تحتاج إلى إيقاظ. إن للناس -مهما كان قربنا منهم أو بعدنا- مشارب مختلفة تحتمل كل شيء، فلا يمكن أن نتعامل معهم بمبدأ التشكيل وفق قوالبنا الخاصة، فلنقبلهم كما هم، ونتعامل مع جوانبهم الممكنة والمحتملة. في الوقت الذي تطالب فيه بحقك أيًا كان ومِن مَن، حاول أن تتذكر واجباتك تجاه ما تطلب ومن تطالب، فالعدل له كفتين لا واحدة هي لك فقط. إن للحياة أحكامًا وظروفًا قاهرة، ووراء كل سلوك دوافع خفية، قد تبدو لنا وقد تتوارى في الخجل، فلنحسن الظن بالآخر ونجد له عذرًا، وإن لم يعطنا ذلك. إن المكوث في المفقود طويلًا قد يفقدك الموجود، فلندع الصفحات المطوية بسلام بكل ما فيها، فاللحظة الهاربة لا تُستعاد، ولنا في القادمة عوض. ولو تأخرت الأحلام وتسكعت طويلًا على أبوابنا فلا بأس، فبعضها قد تحقق وربما الأجمل على وشك القدوم بدون أن تتخلى عن أزميلك، فقطرة الماء تنحت صخرة. لنفتح أبواب المحبة على مصراعيها، فهي ترياق ناجع ونهر دفء تجد على أطرافه منتجعاتك أينما شرقت أو غربت. ترى هل أطالب نفسي والآخر بالكثير..؟ فلنحاول أن نحقق بعض مما فاتنا في العام الجديد، والمحاولة بحد ذاتها نبل، وكل عام وأنتم في نور.