«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. اختط لنفسه أسلوبا كتابيا يميزه عن غيره، مزج فيه ميله لحب التقصي والتدقيق في مكنونات الأشياء محل البحث، بتخصصه الإداري المنظم لكل ما يعتمل في دواخله. نجيب يماني.. أثارت في نفسه الجدة «بهية» وهو لا زال غضا طريا، أداءها لواجباتها التي فرضها الله على عباده بدون كلفة ولا مشقة، فعرف أن الإسلام دين يسر، لذلك وظف قلمه للبوح بما توصل إليه من بحث ييسر – حسب وصفه – على الناس سبل الأخذ ببعض مقتضيات هذا الدين، الأمر الذي آثار حوله الأقاويل، خصوصا من قبل بعض رجال الدين حيال ما يطرحه من رؤى عبر كتاباته، من ذلك قوله إن الدين يؤخذ بالفطرة، وأن إعفاء اللحى ليس عبادة ولكنه عادة. • متى راودك الشعور أنك «نجيب زمانك»؟ ما «النجابة» بأمر يدرك بالترتيب، أو ينال بالأمنيات، أو يحس شعورا؛ وإنما هي روافد شتى تغذي هذه «النجابة» وترفدها بمعطياتها، فأول مساقيها يختبئ في «جينات» الفرد وتتسلسل بالتوارث جيلا إثر جيل، فأنظر إلى أسرتي من هذه الزاوية، واقرأ سيرتها من منظور «النجابة» لتعرف مقدار ما وصلني منها بالتوارث. • «حلوا» ستؤكل، و «مرا» ستلفظ.. كيف يكون خيارك؟ لن يكون في مقدوري تحديد موقفي من «الحلاوة» أو «المرارة»، إلا عندما أقف على الأمر الذي يتوجب علي فيه الوقوف بين الأمرين.. خذ مثلا لذلك موضوع «الإرهاب»، لن يكون في مقدوري إلا أن أكون «مرا» و «حنظليا» تجاه مقترفيه وداعميه، ولا أستطيع بأي حال من الأحوال أن أكون «حلوا» لأؤكل، فموقفي المبدئي أن أكون «مرا» في حلوق هؤلاء، وليلفظوني كيفما شاءوا. • الماضي الذي يخصك بأي لون تصفه ؟ ليس الماضي سوى صفحات في كتاب أيامي، دونت فيها سطورا من سنى عمري، تتفاوت في درجات التقويم بتفاوت مراحل العمر، ليست ناصعة كلها بحيث توصف ب «البياض»، وليست موغلة في «الترهات» لكي يطليها «السواد»، وإنما هي سطور إنسان سعى سعيه كما قدر الله وأراد، ولهذا فليس بإمكاني أن أختار لونا واحدا لأصبغ به ماضي. • بماذا تجيب يا نجيب على من وصفك بالسير عكس تيار فقهاء الأمة والعاشق لمقولة «خالف تعرف»؟ تعلمت في هذه الحياة، أن لا أقدس شخصا أو أرفعه مكانا عليا لمجرد أنه نال «لقبا» أسبغ عليه بحق أو بغيره، فأنا لا أنظر إلى الألقاب مطلقا؛ وإنما أنظر لأقوال هؤلاء وأفعالهم ومنجزهم الفكري، وإن رأيت أنت أن في عشقا حد الوله بمقولة «خالف تعرف»، فما المخالفة من أجل المخالفة بغيتي، وإنما المخالفة من أجل الوجه المضمر من الحقيقة – كما أراها. • بماذا أخبرتك الجدة بهية - رحمها الله - عن أحكام الدين؟ جدتي بهية، ذكرتها في موضوعي كرمز يدل على بساطة هذا الدين ويسره، قبل أن تعقده تنظيرات التطرف وتدلس على الناس الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة، كنا نصلي ونصوم ونحج ونعبد الله بإخلاص ونعيش حياتنا كما أرادها لنا الله، فديننا متين فلابد أن نوغل فيه برفق. • قولك «اللهم ارزقنا إيمانا كإيمان العجائز»، قلته تندرا أم اقتداء بالجدة بهية؟ قلته عن اقتناع واقتداء بجدتي وليس تندرا، وأتمنى أن تعود جدتي لهذا الزمن ليتعلم صغارنا منها أحكام الدين وأحكام المعاملات وأحكام العيب والفضيحة واحترام الجار وأحكام أخرى كثيرة، بدلا من حشو أذهان أبنائنا بمقولات بلا فائدة. • بماذا ترد على الشيخ صالح بن فوزان الفوزان الذي عقب على مقالك «إيمان العجائز»، بأن الدين يؤخذ من الكتاب والسنة لا بالرجوع للفطرة؟ الدين هو معرفة الله وحده، تتم معرفة الله بالفطرة السليمة وإحكام العقل والتفكر حتى الكفار، يقول الله سبحانه وتعالى في حقهم: «ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله»، ولم أرد على فضيلة الشيخ الفوزان، لأن هذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة. • بأي منطق قلت: «إن تارك الصلاة ليس كافرا»؟. الذي يدخل الكافر إلى الإسلام ليس الصلاة وإنما الشهادة ومن بعدها أداءه للعبادات، وهذا قول العترة من آل البيت ومالك والشافعي وأبو حنيفة: «إن تارك الصلاة تهاونا لا يكفر بل يفسق». • عبد الله خياط كتب مقالا يخالف ما كتبت، بعنوان: «تارك الصلاة كافر»، بماذا خرجت بعد قراءته؟. الأستاذ عبد الله خياط له رأيه وأنا أحترمه، ولكنه لم يفرق عندما قرأ مقالي بين الصلاة كفرع من فروع العبادة والشهادة التي هي الأصل، فجعل من هذا الفرع الحد الفاصل بين الكفر والإسلام. • هناك من أخذ عليك ترجيح كفة قراءات فقهية مختلفة لقضايا مفصلية.. ما الداعي لذلك؟ دين الله واحد، واختلاف العلماء فيه رحمة، فلماذا ألزم الناس برأي واحد وأضيق عليهم، كل من لديه علم شرعي عليه إظهاره، وهذا ليس بمأخذ علي إلا عند ضيقي الأفق، وعليهم أن يشكروني لأني طالب علم أبحث في بحور الفقه على آراء تخدم الناس، ونحن قبلة المسلمين ويجب أن نكون أكثر انفتاحا على أقوال المذاهب. • وصفت بعض الدعاة بأنهم يكفرون ويزندقون كل مخالف لآرائهم وأن فقههم ليس فيه أي تجديد.. ألا ترى أن التعميم لا يتسق مع الواقع؟ بالعكس لو نظرنا إلى حال بعض الدعاة وأقوالهم خاصة أولئك الذين ولدوا من رحم التطرف، لما زادت دعوتهم عن عذاب القبر والغيبيات وكله حرام لا يجوز، وأن المجتمع كافر حتى الأمور المختلف عليها في الدين يأخذونها بعيدا، ويجعلون من أخذ بغير أقوالهم أنه مبتدع ومخالف، وهذا هو الواقع. • هناك من يتهمك بالجهل بنصوص الشريعة ومقاصدها.. بماذا ترد عليهم؟ هذا رأي يتحمله قائله، وفي نفس الوقت أجد هناك من يقرأ لي ويشكرني، وهذا طبع الناس، فهناك المحب وهناك الكاره وهناك الحاقد الذي لا يرى إلا ما يراه هو صحيحا، وأنا ولله الحمد سأستمر في النبش والبحث في كتب الفقه والحديث وآتي بكل رأي سديد يخدم الناس. ومن قال بجهلي أقول له: «رمتني بدائها وانسلت». • وما حجتك لهم، حين قلت: «إن إعفاء اللحية عادة»؟ الحجة أن المتواتر عن قبائل العرب أنهم كانوا يطلقون اللحى، وسيدنا عمر في جاهليته كانت له لحية نفضت عنها التراب ابنته وهو يئدها وحتى الأحبار والرهبان لهم لحى. • ماذا تقول لمن تقول على نجيب: «بأي افتراء أتيت، وبأي ادعاء أفتيت يا علامة الزمن الحاضر»؟. العاقل لا يسمع لهؤلاء وأتحدى من يقول إني أتيت بشيء من عندي، كل قول لا يعجب الآخرين مسنود بالدليل لعلماء لهم الاحترام والتقدير، والمغرضون أصحاب الرأي الواحد لا يؤمنون إلا برأيهم، وعندما تعجزهم الحجة وينقصهم الدليل يرددون ذلك باطلا وزورا كنوع من الاستخفاف، وأقول لهم من جانبي «موتوا بغيظكم سأكتب ولن أتوقف إن شاء الله». • ولمن قال: إنك تأتي بما لم يأت به الأوائل، لتسرق الأضواء وتحيا على بريقها؟ من كتب للشهرة والأضواء، فإن هذه الأضواء ستنطفئ يوما ما، ومن كتب بصدق واقتناع لينفع الناس، فهذا ما يمكث في الأرض ويدوم بإذن الله. • بماذا عدت من معاركك ؟ شكرا لمن قال: «كل ما لا يقتلني يقويني».. كل معركة أخوضها تشحذ حواسي بطاقة هائلة من الانتباه، وتذكي عندي القدرة على استشعار الفوارق في النظر والاستيعاب عند الإنسان، كما أنها تمنحني الفرصة للرجوع إلى ما كنت قد تلهيت عنه في غمرة الأحداث اليومية. • وعلى ماذا ندمت ؟ ليس الأمر ندما مكتمل الشروط، ولكن قد يبدو أسفا على مواقف ما كان يجب علي الوقوف عندها كثيرا.. فالتغاضي أحيانا قد يبدو جوابا أفضل بكثير من مداد يراق. • مجتمعنا.. كم يبعد عن حاف الركض الجاد وراء تحقيق ذاته؟ حتى نحقق ذاتنا، يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، لا نلبس العادات ثوب الدين وندور في حلقة مفرغة. نحتاج في ركضنا إلى الشفافية والوضوح والبعد عن الازدواجية في حياتنا الخاصة والعامة. • بماذا خرج المتسدحون في اللوبيات والأرصفة؟ خرجوا صفر اليدين يجرون أذيال الخيبة والندم. وإن كسبوا شيئا فهو وقتي ولزمن محدود فضيحتهم بجلاجل ونهايتهم محزنة سوداء. • لماذا أصبح الوفاء تهمة؟ عندما أصبح النفاق سيد الأحكام، وتكثر الخيانة ويزيد السلب والنهب في المال العام يصبح الوفاء تهمة. أين هو الوفاء في زمن الماديات والكذب والخداع. ضاع الوفاء يا أهل الوفاء وأصبح محال. • كيف صار «النكران» مبدأ؟ لأنه أصبح مبدأ الأغلبية بدءا من الحياة الزوجية مرورا بالعمل اليومي وصولا إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو مصلحة التقاعد المدني. • «الحقائق».. و«الحدائق».. لماذا حرصنا على أن نروي الثانية وأهملنا الأولى؟ الحقائق تروى بالماء الزلال بدموع العين بماء الحقيقة، أما الحدائق فتروى بمياه المجاري وفائض بحيرة المسك، فالثانية أمرها سهل، أما الأولى فصعبة جدا، ولذلك أهملناها. • بأي حال تعيش عين الصواب...في الوجه الكذاب؟ أردد مع نفسي حديث قرة عيني رسول الله: «إنا نبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم». • اختلطت أحبار «التوثيق» بأحبار «التلفيق»!! كيف تفرزها؟ من الصعب فرزها في هذا الزمن الرديء. يستطيع فرزها من له بصيرة تامة وبصر نافذ، عرف الحق وتجنب الباطل، له قلب سليم وعقل حكيم، ومع ذلك من الصعوبة فرزها. • حكمة الشارع من القادر على استنباطها؟ يستنبطها من جلس لها مقتدرا متفكرا يقلب آياتها ويعرف مدلولاتها بعيدا عن التذلل والنفاق، فتح الله على قلبه قدر العلم وعرف مداخله ومخارجه، وأهم من ذلك توفيق الله والبعد عن معاصيه. • في رسائل مدفوعة القيمة.. ماذا تود أن تقول لهؤلاء: * الأمير خالد الفيصل: داعبت أحلامنا بالعالم الأول، وخطوت بنا خطوات ثابتة للوصول إليه. منذ زمن الشهيد الملك فيصل - رحمه الله - وهناك مشروع لم يتم وهو مكةالبيضاء، فليتكم تحيونه مرة أخرى، ونرى مكة تزداد إشراقا على إشراق. * الأمير فيصل بن عبد الله: بارك المولى خطواتكم في إثراء العملية التعليمية، لا تسمع للأصوات الناعقة، نريد جيلا سويا ينهض بالوطن، ويواكب الأمم، ولنا في جامعة القرن أسوة حسنة. * أحمد زكي يماني: يسجل التاريخ لكم إنشاءكم مؤسسة الفرقان وإصداراتها المميزة، خاصة موسوعة مكةوالمدينة، ولكن لا توجد نقاط بيع دائمة يستطيع المثقف أن يجد فيها هذه المطبوعات، حبذا لو أنشأتم منافذ لبيع إصدارات المؤسسة. * الدكتور غازي القصيبي: حمدا لله على سلامتكم، ننتظر عودتكم لتبدأ مرة أخرى صولاتكم وجولاتكم في تثبيت أركان السعودة وتفعيل قرار مجلس الوزراء في عمل المرأة في كل مكان. * الدكتور عبد العزيز خوجة: يشهد لك التاريخ أنك أحييت الإعلام والثقافة من موات، وأبليت بلاء حسنا في إرضاء كافة الأطراف.. رجائي أن تفرض قيمة أكبر للكتاب والمثقفين، وإعطائهم دورا أعمق في الثقافة والإعلام، يضمن لهم معاملة كريمة متساوية. نجيب عصام صالح يماني • مواليد مكةالمكرمة 1375ه - بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة. ماجستير علوم إدارية سان دييجو - أمريكا. • البداية العملية والخبرات: - وزارة البترول والثروة المعدنية - الرياض. - المؤسسة العامة للبترول والمعادن بترومين. - الشركة السعودية للتكرير والتسويق سمارك. - شركة أرامكو السعودية - شؤون أرامكو - المنطقة الغربية- مصفاة الزيوت – لوبريت. - رئيس تحرير/ زيوت أرامكو السعودية مصفاة الزيوت. - رئيس تحرير مجلة همس البحر - مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. - الندوة / نداء القدس - الوطن / المدينة الإسلامية - البلاد «الأخيرة» / نقاشات - عكاظ / الرأي - الأهرام المصرية العدد الأسبوعي الجمعة. سيدتي- رؤى - لها - إنفينيتي. أشرف على إدارة العديد من المؤتمرات وحفلات افتتاح مشاريع بترولية في ينبع، رابغ، جدة. • التأليف: - أفعال رسول الله ودلالتها على الأحكام الشرعية. - القواعد الفقهية. - مقاصد الشريعة. - أفعال العباد قبل ورود الشرع. - تاريخ التشريع الإسلامي - تحت الطبع. - مرافئ المستحيل.