كلما تضاعفت نغمة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، وسكبت كثير من الدماء وجزت رؤوس كثيرة، قلت إن المشروع الإسرائيلي في المنطقة، وجد له من يعمل على تنفيذه، وبدمائنا ووحدة دولنا ومجتمعاتنا وثرواتنا، قد يصر البعض على وجود الكراهية المتبادلة، ويقيني أن هذه ليست حقيقة، ولم تولد إلا بعد ثورة الخميني عام 1979م، ولعلنا نعود الى محاضرة السيد الصرخي الأخيرة «السيستاني ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد» التي رفض فيها الطائفية وقال: إن دم الشيعي على السني حرام، ودم السني على الشيعي حرام، وانتقد من أيد الاحتلال، وأيد القوى السياسية الفاسدة، وأشار إلى السيد السيستاني بأن مرجعيته باطلة ذاكرا في سياق المحاضرة قصصا رواها عن المرجع العربي الراحل محمد صادق الصدر وجاءت محاضرة الصرخي «في توقيت نشرت بعض المقاطع التي تفيد بأن أحد المراجع الكبار في العراق يهودي عمل والده في غزة وشقيقه عضو في الكنيست الإسرائيلي». لسنا هنا في وارد الطعن بالمراجع، لأن هناك حملة لإسقاط الاسلام العربي، بشقيه السني والشيعي ومن داخله، ولأن حشد المعلومات، قد يكون في مضمونه وأهدافه تعميقا للجراح، والخصام، والتناحر، ولكننا نشير الى أن الصراع في العراق، كان أحد أسبابه أن صدام حسين امتلك مشروعا نوويا عربيا، ولأن في العراق كان هناك 85 ألف عالم بمختلف التخصصات، وبشهادة دولية، ولأن العراق من أعاد قيم النصر مع ايران إلى الواجهة، رغم أننا كنا نرى بأنها عملية استنزاف لموارد الأمة، واضطرت إيران لوقف الحرب كمن يتجرع السم، فيما واجه العراق تبعات الحرب المأساوية، ولم يترك له مجال لالتقاط الأنفاس، وكانت كبوته بغزو الكويت، لتكون الفرصة الأمريكيةوالإيرانية والإسرائيلية، لتجريده من كل شيء. في 1/6/ 1972م أمم العراق النفط، بعد أن كانت شركة النفط العراقية، ليس لها من النفط العراقي إلا الاسم، وكانت شركات النفط البريطانية والفرنسية تتشارك النفط العراقي، وكان لفرنسا خط أنبوب يصل إلى طرابلس في لبنان، ولبريطانيا خط انبوب يصل الى حيفا وفقا لتقسيمات سايكس بيكو، وكانت الشركات النفطية الأجنبية تملك ثلاثة أرباع شركة نفط العراق المحدودة بما فيه كامل احتياطي البلاد. واشتدت المنافسة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بين فرنسا وروسيا واليابان والصين لعقد صفقات نفطية في العراق، واشتعلت المنافسة بعد بيع العراق حقل جزيرة مجنون لليابان لمدة 25 عاما، لتبدأ العقوبات الدولية من عام 1990م-2003م في عام 1993م كانت اسرائيل تستقرئ وجود أزمة كبرى قادمة ستعاني منها أمريكا، عقب انفراط عقد الاتحاد السوفيتي عام 1990م، ولهذا وقعت اتفاقيات السلام أوسلو 1993م، ووادي عربة 1994م، وبدأت رياح التغيير والجلاسنوست، وبدأت التحضيرات لتغيير نظام الحكم في العراق، حيث عقدت إدارة الرئيس بوش الأب اجتماعا والحكومة الإسرائيلية، أكدت فيه تل ابيب بأنها لن تنتظر سقوط أمريكا، وتراجع مكانتها الدولية، وأن عليها أن تجد مصادر نفطية دائمة لها، وكانت خطتها، بالتعاون مع أحمد الجلبي، فصل الجنوبالعراقي واحتلاله، والسيطرة على شمال العراق، وكان قرار حظر الطيران في هاتين المنطقتين، طريقا للتنفيذ، غير أن الإدارة الأمريكية رفضت أن تقوم تل ابيب باحتلال جنوبالعراق، وترك الأمر للإدارة الأمريكية لترتيبه، لسببين الأول لصالح إسرائيل، والسبب الآخر إدراك أمريكا بأنها في تراجع حاد ولابد من نفط العراق. في كتابه «عقيدة الصدمة» لنعومي كلاين، يشير الى ان امريكا لم تخسر في العراق، بل ربحت مئات البلايين، وأنها جنت من وراء احتلالها العراق عام 2003م ما لا يقل عن 180 بليون دولار، في حين كان الاتفاق الامريكي مع اسرائيل على صدمة الذعر للشعب الامريكي في أحداث 11 سبتمبر 2001م ليتم بموجبها السيطرة على منابع النفط، وتجارة السلاح، وتجارات أخرى. بعد احتلال العراق، تمت إقامة أربعة قواعد سرية أمريكية فيه، ليس للحكومة أو الدولة العراقية الجديدة أية سلطة عليها، الأولى قرب السماوة والثانية في مطار بغداد، والثالثة في كردستان العراق، والرابعة في الحديثة، وهذا يعني أن هذه القواعد جاءت لحماية النفط، وقامت الشركات الاسرائيلية بإعادة تجديد انابيب النفط الناقلة الى حيفا عبر الاردن، وخط عبر تركيا، ولتوقع الحكومة العراقية اتفاقية سرية لإمداد اسرائيل ب 5 ملايين برميل يوميا بقيمة 25 دولارا للبرميل الواحد، وهذه الاتفاقية لا تقبل التغيير لان النفط الذاهب لاسرائيل هو لتل ابيب وواشنطن، لتحصل تل ابيب سنويا مع فوارق الاسعار على 50 مليار دولار، والمؤلم ان بعض الحقول أصبحت ملكية امريكية اسرائيلية كجزء من كلفة تحرير العراق ولمدة 99 عاما. لهذا السبب يجب ألا تكون هناك دولة عراقية قوية وذات سيادة، وقد تكون هناك فيدراليات، جنوب وغرب وشمال، ولتكريس هذه الحالة، يجب تغيير قواعد سايكس بيكو، ولا يمكن ذلك دون سبب، وجاءت داعش التي قابلها الجيش العراقي بالانسحاب الشامل، تاركا كل شيء من سلاح وأموال، واتخذت ايران داعش ذريعة لمهمة واحدة متفق عليها، وهي التجريف الديمغرافي للسنة عن خطوط النفط، خاصة أن ايران باشرت في مد خط انبوب للنفط الايراني عبر ديالى ليصل الى الموانئ السورية، وعليه كان من مهمة ايران تكريس الواقع السياسي الجديد، فايران لا يهمها الشيعة، بل يهمها عراق ضعيف ومقسم، ولا يهمها ان يكون الشيعة قوة واحدة، بل جزأتهم الى احزاب وميليشيات متنافسة ومتصارعة همها الرئيسي حصصها من الغنيمة، وكذلك السنة إرضاء طبقة بالمال والمناصب، واليوم يجري تحرير المدن من داعش، وهذا يعني تحرير المدن، لاستكمال السيطرة على منابع وممرات ومصبات النفط. ليقتل السني الشيعي، والشيعي السني، فالخاسر الوحيد هو المجتمع العراقي، وكلما أفاق العراقيون سنة وشيعة لمحاسبة الفاسدين، كانت لعبة ونار الطائفية جاهزة، ولا يمكن في يوم من الأيام، ان تحب امريكا الشيعة وتكره السنة، ونصدقها بأنها كذلك، فهناك مصالح دائمة، وليس هناك صداقات أو عداوات دائمة، وعليه فان من أوجد داعش هم من لهم مصلحة نفطية اولا، ومن لهم مصلحة بإضعاف العراق وتجزئته ايضا، والنتيجة ان الهدف هو الحفاظ على اسرائيل اولا، وإدامة النفط الرخيص لامريكا ثانيا. مجلة الفورن افيرز نشرت مؤخرا تحليلا لخطوط النفط والسياسة، بعد سايكس بيكو بعنوان (The Middle East After Sykes–Picot Pipelines in the Sand) والملفت للانتباه ان الامريكان، يقصدون السيطرة على النفط، ولكن بذرائع خدمة الشعوب ودمقرطتها، وكأن العراق لا تكفيه 13 عاما ليصبح سويسرا العرب، بينما نرى بأن شلال الدماء العراقية ما زال قائما، وللصدف فان تحرير الفلوجة يتزامن وايام تحرير النفط العراقي في1/ 6/ 1972م. والملفت ايضا ان شركة النفط العراقية بعد سقوط الحكم الوطني، بيعت كاملة الا الاسم للشركات التالية (شركة كوستال، شركة فونيكس، شركة تشيفرون، شركة موبيل) وبدون ان تعرض على البرلمان العراقي، وليجيب الشاعر العراقي عباس جيجان عن سؤال يوضح ابعاد مشهد الصراع الدامي في العراق (اخذوا النفط لابو النفط لابو البواري الما تجي وتمصه، شحصلنا من نفط العرب للروم رايح نصه وللفرس رايح نصه، واحنه بطرق خوف وجل وارهاب طحنه بنصه) في حيث تمتص ايران 20% من نفط جنوبالعراق (الخمس النفطي) وفقا لتقديرات ستارتفور، والسؤال هل ايران التي تحصل على خمس نفط الجنوب، ترغب في استقرار العراق، هل اسرائيل التي تجني سنويا 50 مليارا من نفط العراق، يمكن ان تسهل للعراقيين الطريق لحكومة وطنية!! داعش تسيطر على الموصل وبيجي وخطوط انابيب النفط (البريطانية) المارة ناحية اسرائيل، وتسيطر على خطوط انابيب النفط (الفرنسية) الذاهبة ناحية لبنان عبر الرقة، وهناك خط يمر لاسرائيل عبر ميناء جيهان التركي، ويقولون داعش تبيع النفط لتركيا وعائداتها السنوية بالمليارات، وداعش لم يفجر مصفاة واحدة، حتى في الرقة، والبوكمال، ظلت تمد الاسد بالنفط بشكل عادي، فهذه ليست منظمة ارهابية، بل منظمة حراسة لآبار ومواقع وممرات النفط. وللحقيقة، فان داعش ليست جميعها من السنة، كما يحاول البعض وصفها، فداعش الحقيقية موجودة في العراق بشكل رسمي، ولها معسكرات تدريب لا تجرؤ حكومة العبادي او المالكي النظر اليها، وقيادات داعش تقيم في فندق السدير نوفاتيل، وسط بغداد، ومن تتم محاربتهم اليوم باسم الارهاب وباسم داعش هم السنة العرب، هم المقاومة للمشروع الامريكي والايراني، فالهدف هو ابعادهم عن خطوط انابيب النفط الذاهبة باتجاه اسرائيل، وكيف يتم ابعادهم وتهجيرهم، بدون اذكاء اللعبة الطائفية، وليقتل السني الشيعي والشيعي السني لأجلك يا إسرائيل.