تؤكد خارطة العمليات والجرائم التي ارتكبها داعش في مختلف أصقاع المعمورة تعمده تجنب التوجه نحو إسرائيل وإيران، حيث بقيتا في منأى عن هذه العمليات، وهو ما كشف أن ما يروجه التنظيم مبررا لوجوده، مدعيا أنه تنظيم ذو صبغة دينية، يبقى مجرد ادعاءات زائفة. وفي يناير الماضي وحده، لم يترك داعش يوما دون أن يرتكب فيه جريمة، حيث قتل وبمنهج دموي عنيف 556 شخصا، وجرح 795 آخرين في عمليات توزعت على 31 يوما، واستهدفت 8 دول، هي: السعودية والعراق وسورية واليمن وإندونيسيا وليبيا ومصر وأفغانستان. خلاف كثير من الادعاءات التي يطلقها تنظيم داعش ويروج لها لاستقطاب الأتباع، وتبرير وجوده من حيث الأساس كتنظيم ذي صبغة دينية، تأتي ممارساته لتفضح حقيقته على الأخص فيما يتعلق بانتقاء أهدافه. ولهذا فإن كثيرين يستغربون عدم اتجاه التنظيم غرباً، حيث تنوء كثير من المقدسات الإسلامية تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً أنه يدعي مقدرة عسكرية مكنته من محاربة جيشين نظاميين (العراقي والسوري) واحتلال مناطقهما، إضافة إلى صموده أمام تحالف دولي، ودول تحاربه من عدة اتجاهات. كما أن التوأمة بين هجماته وهجمات النظام السوري على المعارضة السورية، تجعل التساؤلات تمتد بطول المسافة التي قطعها من حدود العراق وسورية باتجاه الشرق، وتنتهي بعلامة استفهام تماثل الكيلومترات البسيطة التي كانت تفصله عن بغداد عاصمة أمجاد الخلافة الإسلامية التي كان يحكمها المالكي عدو داعش المزعوم وحليف إيران الذي كان في أضعف حالاته حينها. وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال في مؤتمر صحفي جمعه بوزير الخارجية الأردني ناصر جودة في عمان في يوليو الماضي إن «تنظيم داعش يرتكب جرائمه ضد كل العرب، لكنه لم يهاجم إيران»، ومقولة الجبير تعبر عما يدور في خلد كل من يتابع التناقضات بين تصريحات داعش وأفعالها، وخصوصا تجاه إيران، ويفترض البحث عن ماهية العلاقة بين الجانبين. وثائق سرية تؤكد تحول التنظيم إلى لعبة في أيدي المخابرات الروسية والإيرانية كشف اعتراف مثير قدمه أحد المنشقين عن داعش أن علاقة التنظيم بإيران مشبوهة، حيث ذكر أنه اشترك في مهمة مع مجموعة من تنظيم داعش قتلت عنصراً إيرانياً، فأمر أمير المجموعة بمعاقبة الفاعلين، مفسراً ذلك بأن قتال الجيش السوري الحر أولى من قتال إيران والنظام. نائب قائد القوة البرية في الجيش الإيراني كيومرث حيدري، صرح بأنه «لن تكون هناك مواجهة محتملة لإيران مع تنظيم «داعش»، وليست هناك تهديدات من قبل التنظيم، وأن مهمة قوات الجيش المنتشرة على طول الحدود الغربية لإيران قد انتهت». هذه الروايات يدعمها ما كشفه دبلوماسي إيراني منشق عن النظام وتناقلتها وسائل الإعلام المختلفة ونسبها الدبلوماسي المنشق إلى وثائق سرية اطلع عليها من قيادي كبير في الحرس الثوري، مفادها أن تنظيم داعش يتم تحريكه من خلال غرفة عمليات حربية في مشهد شمال شرق إيران، يديرها كبار قادة المخابرات الروسية والإيرانية بهدف «خلق فوضى كبيرة في العالم العربي عامة والخليج خاصة»، وهذه الجزئية بالذات جاءت كشهادة من الداخل، حيث وردت في تقرير كتبه على مدونته على الإنترنت الدبلوماسي فرزاد فرهنكيان الذي عمل مستشاراً بوزارة الخارجية وتنقل بين سفاراتها في عدة دول قبل أن ينشق عن النظام الإيراني منذ سنوات. المثير واللافت أن المسؤولين الإيرانيين يركزون على الحدود الشرقية للبلاد مع باكستان، على الرغم من وجود تهديد تنظيم «داعش» من الغرب. كما أنه من المستغرب ألا يسقط نظام الأسد براميله المتفجرة على الدواعش، «وكيف يعقل لتنظيم بهذه القوة والقسوة والإمكانية أن ينفذ عمليات إرهابية دموية في جميع أنحاء العالم بدءاً من نيويورك مروراً بلندن ومدريد وباريس وصولا إلى إندونيسيا وتنزانيا وباكستان ونيجيريا ومصر وقبلها السعودية والعراق، ولا يستطيع تنفيذ عملية واحدة في الداخل أو الخارج الإيراني»! المتحدث الرسمي لداعش أبومحمد العدناني، وعبر رسالة صوتية بعنوان: (عذرا أمير القاعدة) بثت في مايو 2014، وصف القاعدة بالانحراف عن المنهج، ونسج علاقات مشبوهة مع إيران، إذ أقرّ بأن للقاعدة دينا ثمينا في عنق إيران، كما أن داعش لم تضرب في إيران، تلبية لطلب القاعدة، وللحفاظ على مصالحها، ونلحظ أن هذا الاعتراف القادم من داخل التنظيم يبين لغة المصالح التي تحكمه كغيره من عصابات الجريمة المنظمة. دليل آخر على علاقة داعش بإيران هو عثور الجيش الحر على بطاقات هوية من أجهزة الأمن السورية، وجوازات سفر عليها تأشيرات دخول إلى إيران، وبطاقات هاتف إيرانية لدى قادة التنظيم، - أحدهم - أبوحفص المصري. إسرائيل تعالج جرحى التنظيم وتتلقى ردا بعدم مهاجمتها تساءل الكاتب البريطاني البارز في «الإنديبندنت» البريطانية روبرت فيسك: «لماذا لا يهاجم تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) إسرائيل أبداً؟». جاء ذلك في مقالة لفت فيها إلى ضرورة تركيز الصحفيين والكتاب على الموضوعات التي يهمشها ولا يركز عليها الكادر القيادي في تنظيم داعش، وتساءل «لماذا لا يهاجم داعش إسرائيل أبداً، في الوقت الذي يقول فيه إنه يكره الصليبيين والشيعة والمسيحيين وأحياناً اليهود، لكن لماذا يتجنب التلفظ بكلمة إسرائيل؟ ولماذا تستهدف الهجمات الجوية الإسرائيلية أهداف الحكومة السورية والقوات الإيرانية الموالية لسورية دوما، ولا تضرب معاقل داعش؟ من جهته، مسؤول عسكري في الجيش الإسرائيلي أكد في تصريحات نقلتها الصحافة الإسرائيلية أن داعش لا يمثل خطرا أبداً على أمن إسرائيل ولا على مصالحها في المنطقة. من جانبها، وفي أغسطس 2014 تناولت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلة في تقرير أن الجماعات المسلحة لا تشكل أي خطر على إسرائيل، خاصة أنها جميعاً لا تنوي الدخول في مواجهة عسكرية ضد إسرائيل. ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش السوري في هضبة الجولان لا تمثل أي تهديد على إسرائيل، على الرغم من اقتراب المعارك بين الجيش وهذه الجماعات من الحدود الإسرائيلية السورية، موضحة أن البيانات التي صدرت عن بعض هذه الجماعات تؤكد أنها لا تنوي استهداف أي مصالح إسرائيلية. ولتهدئة روع الإسرائيليين من هواجس داعش، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تأكيدات بعض الساسة أنه لا خطر من داعش على إسرائيل، وقد جاءت هذه التأكيدات على لسان وزير الدفاع موشيه يعالون، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب عاموس يادلين. كما أن موقف إسرائيل من محاربة داعش يضع أكثر من علامة استفهام، فقد اعتبر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أن الحرب التي يشنها التحالف الدولي بقيادة أميركا ضد داعش «عبثية»، وأنها عملت على تأجيج الفوضى في العراق وسورية، وقال الباحث الإسرائيلي في شؤون الجماعات الإسلامية رؤوفين باز إن «محاربة داعش عبثية، ولا تخدم المصالح». وكشف تقرير تلفزيوني بثته احدى القنوات الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يعالج جرحى الحرب السورية على الحدود من خلال مستشفى ميداني في أحد معسكراته في الجولان، وكانت المفاجأة الأكبر أن الجرحى الذين تعالجهم إسرائيل هم من داعش وجبهة النصرة، وليسوا من القوى المعتدلة في الثورة السورية. وفجر التقرير مشكلة بين المستويين السياسي والأمني العسكري في إسرائيل، ففي وقت أنكر المستوى الأول علمه بانتماء هؤلاء الجرحى إلى داعش، دافع الثاني بالقول «إن علاج هؤلاء الجرحى حقق لإسرائيل ما عجز عن تحقيقه جواسيس إسرائيل في سورية منذ قيام الدولة». اللافت أن الجرحى الذين قابلتهم القناة أجمعوا على «شكر إسرائيل على ما قدمته للثورة السورية»، وقال أحدهم بالسورية العامية «يكثر خير إسرائيل، في مثل عنا بيقول: يلي بمد إيدو إلك، ما بيجوز تعضها، وهكذا سنتعامل مع إسرائيل، فلن نعض يدها في المستقبل». وفي بيان لها كشفت لجنة التواصل الدرزية عرب 48، دعم الحكومة الإسرائيلية لمسلحي جبهة النصرة وداعش في سورية، بموافقتها على تلقي جرحى التنظيمين العلاج في إسرائيل فضلاً عن دعمهما بالسلاح، وفق ما نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية. وقال البيان «حذرنا في السابق، وبات واضحاً اليوم للقاصي والداني، أن إسرائيل تساند هذه العصابات بكل مسمياتها وأشكالها، وتمدهم بالسلاح، وتعالج جرحاهم في مستشفياتها وتفاخر بذلك». وكان اللافت هو تعقيب الجيش الإسرائيلي على هذا البيان، حيث قال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي «إن جيش الدفاع الإسرائيلي يدأب منذ عامين على تقديم المساعدات الإنسانية لإنقاذ حياة المصابين على الحدود مع سورية بغض النظر عن هوية الجرحى». ضلوع إيراني أكد رئيس عشائر جنوبالعراق الشيخ كاظم العنيزان أن إيران ضالعة في كل مشاكل العراق الحالية، وقال العنيزان في مقطع فيديو متداول إن قصة حدثت لابن أخته كشفت الدور الذي ظلت تلعبه إيران في تطويل أمد الاقتتال في العراق، مشيراً إلى أن ابن أخته كان يقاتل في جيش المهدي التابع لميليشيا مقتدى الصدر وأصيب في إحدى الاشتباكات وأرسل إلى إيران لتلقي العلاج. وكشف أن ابن أخته خلال تحركه في أرجاء المستشفى ضل طريقه إلى الطابق الذي كان منوماً فيه، ووجد نفسه في طابق آخر يعج بالمصابين من تنظيم القاعدة. وكان رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل قال في مقالة نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» إن «إيران استضافت عناصر تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان في مساكن آمنة تحت إشراف مخابراتها، من بينهم أعضاء من عائلة أسامة بن لادن ما زالوا يقيمون هناك حتى اليوم». وأضاف الفيصل أنه «عقب الاحتلال الأميركي للعراق وتدمير المؤسسات الحكومية العراقية - من جيش وأمن ووزارات - في عام 2003، سمحت الحكومة الإيرانية لمن أراد من مخلفات تنظيم القاعدة بالتسلل إلى العراق الذي وجدوا فيه بيئة خصبة لتنفيذ مخططاتهم، فأعادوا تشكيل أنفسهم تحت اسم «القاعدة في بلاد الرافدين». وبحسب الفيصل، انضم إليهم آخرون من دول الجوار، مثل: أبو مصعب الزرقاوي، ومحسن الفضلي زعيم ما يسمى «كتائب خراسان»، وهو من عائلة شيعية كويتية معروفة، والمتهم بالتفجير الذي استهدف محمد باقر الحكيم في النجف، كما سمحت له الحكومة الإيرانية بالانتقال إلى سورية بعد الثورة، ومن سورية وفدت مجموعة أتاح لها بشار الأسد التسلل عبر الحدود الفاصلة بين البلدين، ومنهم أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» وأبو محمد العدناني المتحدث باسم داعش. ويرى الفيصل أن المفارقة العجيبة في تكوين هذا التنظيم كانت أن نوري المالكي رئيس وزراء العراق (المعزول) كان يسعى - في ولايته الأولى - لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد سورية، متهما بشار الأسد بتأييد «الإرهابيين» والسماح لهم بالعبور إلى العراق. وأضاف «تراجع المالكي عن ذلك مُفسحا المجال لتكوين تنظيم القاعدة في العراق الذي لقي مقاومة عنيفة من قوات الاحتلال الأميركي والعشائر السُنية العراقية، مما أدى إلى دحر التنظيم وقتلِ عددٍ من قياداته، ومن ضمنهم أبومصعب الزرقاوي. وزُجَّت في سجون القوات الأميركية قيادات التنظيم - ومن ضمنهم البغدادي - والتي توافقت على أن يُسَمَّى التنظيم: الدولة الإسلامية في العراق». وقال إنه حالما انسحب الأميركان من العراق، وتولت حكومة المالكي إدارة السجون، أُفرج عن البغدادي ورفاقه، وهي مفارقة عجيبة أخرى في تكوين هذا التنظيم، ومن ثم انطلق التنظيم الجديد في عملياته، واستعان ببعض عناصر جيش صدام حسين الذين كانوا مسجونين معهم فاستغلوهم، مستفيدين من جرائم حكومة المالكي الطائفية وما اتبعته من تهميش للمكون السُّني من الشعب العراقي، وإطلاق يد الميليشيات المسلحة الشيعية في اضطهاد المواطنين السُّنة، مما زاد من احتقان الوضع بين السُّنة والمالكي، ونتج عن ذلك الانتفاضة الشعبية الكبيرة في المحافظات السُنية التي طالبت باستقالة المالكي وتصحيح أوضاعهم المدنية. ( الحلقة الأولى ): داعش والمافيا اتفاق في النشأة والهيكل وعقيدة الدم ( الحلقة الثانية ) : تنظيمات القتل تقتدي بالمافيا ( الحلقة الثالثة ) : 3 مليارات لتضخيم صورة داعش ( الحلقة الرابعة ) : نفط وابتزاز وسطو وتهريب لتمويل داعش