لم يكن اتفاق جنيف السريع الذي أنهى مسرحية التوتر المضخمة بين الغرب وإيران بسبب مفاعلاتها النووية مثار استغراب واستنكار العرب فحسب؛ بل كان محل نقاشات حادة من كتاب غربيين وأمريكيين؛ فقد ذهب بعضهم إلى أن الصورة الحوارية التمثيلية التي تمت بين مجموعة 5 + 1 ووزير الخارجية الإيراني توحي وكأنه لا خلاف أصلا بين الجانبين يستحق أن يهدد المنطقة بحرب، أو يطيل أمد العقوبات المفروضة على إيران؛ لأن غاية أمريكا وحلفائها الأوربيين ضمان سلامة إسرائيل وعدم تفوق إيران عليها نوويا، والحد من الطموح الفارسي للهيمنة منفردة على المنطقة؛ بل في حدود ترتيبات وخطة الشرق الأوسط الجديد التي تنص ضمن كثير من بنودها على: تمكين إسرائيل وإيران من أن تكونا القوتين الرئيستين في المنطقة دون أن تتفوق إيران على إسرائيل نوويا، وكسر حدة صعود الإسلام السني، وتفتيت الدول العربية إلى دويلات وأقاليم، ووقف نمو المشروع العربي النهضوي، وقد بدأ الغرب في مسلسل إجهاض حلم النهوض العربي منذ بدايات التحرر من الاستعمار الغربي بعد اتفاق سايكس - بيكو وسقوط الخلافة العثمانية؛ فحدث توطين اليهود في فلسطين، وحدث العدوان الثلاثي على بور سعيد 1956م بحجة رفض تأميم القنال، ووقفت أمريكا والغرب كله مع إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م حيث انطلق جسر جوي من واشنطن إلى تل أبيب، وحدث بعد ذلك تنصيب الخميني الفقيه الفارسي وإسقاط العميل العلماني الشاه غير المؤدلج ، ثم حدث افتعال الحرب بين إيرانوالعراق لمحاولة سحق العراق، وحين ازداد العراق قوة بسبب الموقف الخليجي افتعلت الاستخبارات الأمريكية قصة غزو العراقالكويت ومهدت له ومنحته الضمانات بعدم التدخل عن طريق السفيرة الأمريكية، وبعد أن وقعت الواقعة استغلت أمريكا ذلك لإثارة المخاوف عند الجيران، فحدث متواليات تحرير الكويت وقضي على الجيش العراقي الحامي للجبهة الشرقية وسلم العراق كعكة جاهزة للفرس إتماما لإحدى مفردات خطة الشرق الأوسط الجديد السرية، وجرى ما جرى بعد ذلك في المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي قد يكون للمخابرات الأمريكية والموساد يد في تدبيره وتسهيل تنفيذه لاتخاذه مسوغا للتمكن من مفاصل الدول العربية والإسلامية بحجة مكافحة الإرهاب، ثم اشتغلت السي آي إي على التهيئة لما يسمى الربيع العربي، مستغلة تململ الشعوب العربية من استبداد الأنظمة العسكرية وشيوع الفقر والفساد والبطالة وتخلف التنمة وتوق الشعوب العربية إلى التغيير؛ فاستقطبت جماعات الإسلام السياسي مثل جماعة « الإخوان المسلمون « والتنظيمات الثورية؛ كحركة « كفاية « و»شباب 6 إبريل « وحركة « كلنا خالد سعيد « وغيرها لتهييج الشوارع العربية في دول الربيع العربي؛ ليتحقق بعد ذلك سقوط الأنظمة وظهور الخطابات الطائفية؛ مما ساعد على شيوع التكتلات القبلية والدينية لتستقل أقاليم استقلالا تاما أو شبه تام؛ مثل: برقة وبني غازي في ليبيا، وجنوب السودان، ودار فور لاحقا، وتأجيج الدعوات إلى تقسيم مصر إلى دويلة مسيحية في الإسكندرية ونوبية في الصعيد وإسلامية في الوسط، وتقسيم اليمن إلى دويلة شيعية حوثية في صعدة وسنية في صنعاء وحضرمية في عدن، وكردية في كركوك وسنية في بغداد وشيعية في البصرة وما حولها! وإيران بعد 1979م حاضرة في الخفاء والعلن؛ تحيك المؤامرات وتستقطب النافرين والخارجين على الأنظمة وتدعم الطائفيين وتمول المنشقين وتبارك كل ما يقلق ويكدر صفو أمن منطقة الخليج؛ كيف يمكن أن يتم صلح معها أو أن نصدق كلام حسن روحاني المعسول وعميلها حزب الله الإيراني وسبعون ألفا من جيشها يدمرون ويقتلون العرب والمسلمين السنة في سورية ولبنان؟ كيف يتم صلح وهي تؤجج وتدعم الانشقاق والمنشقين في البحرين؟ وتمد القبائل الشيعية الحوثية في اليمن؟ وتتواصل مع متطرفي القطيف وتدعمهم معنويا وماديا؟ وتواصل إذلال العرب السنة في الأحواز والعراق ؟! إن أقوال إيران والغرب في المنابر غير أفعالهما في المخابر!