في إطار العلاقة الشائكة والمتوترة ما بين المبدع والناقد، ليس من غير المعتاد أن يتم تبادل الاتهامات وإطلاق نيران اللوم والعتب من الجهتين. فالمبدع يتهم الناقد بأنه لا يتابع الحراك الإبداعي بما يكفي، ولا يتناول المنتج الإبداعي بالنقد كما ينبغي «حسب وجهة نظر المبدع نفسه بالطبع»، والناقد من جهته لا يخفي تذمره من أنانية المبدع وهوسه بذاته «أو بابداعه لا فرق»، ولن نعدم ما بين النقاد من يجاهر علناً بأنه لا يوجد على الساحة الإبداعية مثلا ما يثير شهيته للكتابة عنه. ومن بين النقاد كما بتنا نعرف جميعاً من غير جهة بوصلته النقدية لتتجه صوب ما بات يعرف بالنقد الثقافي الذي تختلف قضاياه وموضوعاته عن قضايا وموضوعات النقد الأدبي، بل إن أحد أعلام النقد الأدبي في فترة زمنية ما، وهو الدكتور عبد الله الغذامي، قد ذهب إلى القول بموت النقد الأدبي، ودعا إلى نعيه وإهالة التراب عليه. ولا ننسى في هذا السياق تلك المقولة الشهيرة التي تدور على ألسنة المبدعين عادة، خصوصاً في حالات سخطهم على النقاد: الناقد شاعر فاشل. «ويمكن هنا أن نبدل كلمة شاعر بكلمة مبدع، لنشمل الأنماط الأخرى من الكتابة». المبدع والناقد هما كفتا ميزان وركنا معادلة لن تستقيم إلا بوجودهما معاً، ومن الصعوبة بمكان أن نقول ان طرفاً ما من المعادلة أهم من الطرف الآخر. شخصياً أعتقد أن المبدع والناقد هما كفتا ميزان وركنا معادلة لن تستقيم إلا بوجودهما معاً، ومن الصعوبة بمكان أن نقول ان طرفاً ما من المعادلة أهم من الطرف الآخر. صحيح أن الناقد الأدبي «لكي نميز بينه وبين الناقد الثقافي» ينطلق في كتابته النقدية من وجود نص أدبي ما، يستجلي ملامحه، ويغوص في أعماقه، ويستكشف تضاريسه، إلا أن المبدع من جهته لن يستطيع على الأرجح أن يوصل صوته وأن يبلغ هدفه وهو هنا التواصل مع القارئ إلا بوجود ناقد ما يكون بمثابة الوسيط بينه وبين القارئ. وهذا ليس تقليلاً من شأن الناقد أو انتقاصاً من قدره، لأن الناقد هنا يقوم بدور جوهري وأساسي لا غنى عنه، فهو بمثابة الباحث عن الجواهر والأحجار الكريمة المطمورة في تراب النسيان والإغفال. وإذا ما تأملنا جيداً في بروز بعض الأسماء الإبداعية لدينا سنكتشف أن السر وراء ذلك يعود في الجزء الأكبر منه إلى وجود نقاد بارعين نجحوا في استقراء إبداع تلك الأسماء وتسليط الأضواء عليها، وبالتالي إيصالها إلى القارئ الذي ينتظر على الضفة الأخرى من النص.