*** (صح لسانك) دعاءٌ ممزوج بالاستحسان أو الإعجاب. وبعض النقد لا يخرج عن إطار تلك العبارة، وإذا تجاوز ذلك الإطار، قال كلاما مبهما دائريا فضفاضا يصلح استخدامه لكل النصوص، تماما كما يفعل (السادة المحلَّفون) أعضاء لجان تحكيم المسابقات الشعرية عند تقييم قصائد المتسابقين. *** النقد على طريقة «صح لسانك» يعيدنا إلى عصور سابقة، وكأن صدى كلمات مروان بن أبي حفصة مازال يتردد مشيداً بأبياتٍ للشاعرة العباسية عنان قائلا: «أعتق مروان كل ما يملك إن كان في الجن أو الإنس أشعرُ منك»! وإذا ما تعلق الأمر بالإبداع فإنه لا علاقة لأسماء التفضيل (أفضل.. أشعر.. أبدع..) بالنقد. ولا فرق بين عبارة مروان وعبارة (صح لسانك) التي تتردد على ألسنة عشاق الشعر الشعبي، أو عبارات الإعجاب لما ينشر من محاولات أدبية على المواقع الإلكترونية. *** قرأ شنسوكي بطل رواية (حب محرم) للروائي الياباني يوكيو ميشيما ما كتبه النقاد عن أعماله، وراح يدمدم: «لا أفهم شيئا. لقد فاتهم مغزى الموضوع كليا. إنه مجرد مديح منمق مصطنع». طبعا، ليس بالضرورة أن يفهم الناقد النص بالطريقة التي يراها الكاتب، فلكل قراءته الخاصة. لكن إذا كان بعض الكتاب ينتشون طربا عند قراءة ذلك المديح المنمق المصطنع، فإن من الكتاب من لا يرضيه أن يختزل عمله بقراءة نقدية ناعسة على طريقة (صح لسانك)! *** بالطريقة الناعسة نفسها، تعتقد إحدى شخصيات بروست أن المؤلف الموسيقي (كلود ديبوسي) متفوق على بتهوفن، لا لشيء إلا لأن ديبوسي أتى بعد بيتهوفن. وهو إشكال يقع فيه من لا يميز بين الجدة والحداثة. ولو كانت للجدة، في حدّ ذاتها، ميزة لتفوَّقتْ (خربشة) أي قاص من أيامنا هذه على روائع تشيخوف. الأمور أكثر تعقيدا مما تراه تلك الشخصية. لكن، في بيئة ثقافية لا تتعدى أدواتها النقدية عبارة (صح لسانك)، ليس عجيبا أبداً أن يعطي مَنْ لا يملك شهادةً لِمَنْ لا يستحق. *** غالبا ما يطرح محررو صفحات الثقافة السؤال التالي: كيف تلقى النقاد تجربتك؟ وقد يتصور من يطرح مثل هذا السؤال أننا ضمن مناخ ثقافي تفاعلي يتابع فيه النقاد والمشرفون على صفحات الثقافة حصاد المطابع ودور النشر. والواقع هو أن الكاتب في محيطنا الثقافي لا ينتظر من المحرر الثقافي أكثر من خبر متواضع مع صورة غلاف الإصدار، وكأنها دعاية تسويقية لا ينقصها إلا إضافة سعر الكتاب. وقد لا ينتظر الكاتب من الأصدقاء المهتمين بالشأن الثقافي وقد زودهم بنسخة من كتابه سوى أن (يتفضلوا) بقراءته، فهذا في حد ذاته إنجاز كبير في مناخ لا يحتفي بالنص قدر احتفائه بمؤلف النص، وبموقعه الوظيفي أو الاجتماعي الذي لا علاقة له بالإبداع. أهديت، مرة، كتابا لأحد الأصدقاء وقلت له مازحا: «سأجري لك امتحانا مصغرا quiz بعد شهر لأتأكد أنك قد قرأتَ الكتاب ولم تتركه على رفّ مكتبتك ينادم النسيان»! كانت دعابة لها دلالاتها. ولن أستغرب إذا ما اتصل بي ذلك الصديق غدا، بعد قراءة هذه السطور، ليقول لي مازحا: صح لسانك!! [email protected]