يرى المسرحي المغربي عبد الحق الزروالي أن الظروف الراهنة التي تعيشها الدول العربية من صعود بعض التيارات الدينية المتشددة وصراعات ونزاعات مسلحة؛ أثر بشكل كبير على الفن والجمهور أيضا؛ مما يضع المبدعين في حيرة ويجعل من الصعب على صانع العمل الفني التكهن برد فعل المشاهد عند تقديم عمله الجديد. وقال الزروالي رائد المسرح الفردي في المغرب في مقابلة مع رويترز: «نحن الفنانين أكبر المتضررين مما يقع من أحداث في العالم العربي..» وأضاف «الواقع أصبح أكثر غرابة.. لم أعد أدري كيف سيتقبل الجمهور مشهدا ما.. هل سيضحك أم يبكي؟ فبالأمس كان الجمهور يخرج من قاعات السينما حزينا وربما يذرف الدموع لموت بطل وهو يعرف أنه تمثيل واليوم يرى مشاهد التقتيل الحقيقي على التلفاز ولا يحرك ساكنا». وتابع قائلا: «لا أستطيع أن أستوعب اللحظة التي نعيشها. لكن هذا لا يعني إحباطا أو يأسا فأجمل الزهور تنبت ولو في المزابل رغم الإكراهات..الإبداع الحقيقي سيستمر». نشأ الزروالي بمدينة فاس التي يطلق عليها «العاصمة العلمية» للمغرب لاحتضانها جامع القرويين كما تأثر هناك برموز الفن أمثال المخرج زكي العلوي والمؤلف والمخرج المسرحي محمد الكغاط. ويعتبر الزروالي أن الراحل الطيب الصديقي الذي يوصف بعميد المسرح المغربي هو من حبب إليه المسرح. بدأ مشواره المسرحي في ستينيات القرن الماضي وله نحو 32 مسرحية مونودرامية و15 عملا مسرحيا جماعيا إضافة إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية.. وأصدر بعض المؤلفات من روايات وأشعار. ولاقى عرض (الطيكوك) أحدث مسرحيات الزروالي نجاحا ملموسا منذ بداية تقديمه في فبراير شباط الماضي بعد أن استطاع خلال 75 دقيقة الإبحار بالمشاهد في فلك الأحداث حتى اندمج الجميع وإياه بلحظة بكاء على ما آل إليه الوضع بالدول العربي. وكلمة (طيكوك) لفظة مغربية تطلق على مرض جنون البقر الذي يصيب الماشية لكن الزروالي أسقطه على البشر والجنون الذي يصيبهم بفعل مصاعب الحياة. وبطل المسرحية هو حفار قبور يعيش بين عالمين عالم الموتى وعالم الأحياء. وأشارت نقابة المسرحيين المغاربة إلى أن الزروالي استغرق في الإعداد للمسرحية تأليفا وإخراجا نحو عام ونصف بدعم من وزارة الثقافة والمسرح الوطني محمد الخامس. وقال الزروالي الذي يعد من القلائل بالمسرح العربي الذين استمروا بفن المونودراما إن «جنون المسرح يسكنني إلى حد التفاني فهذا الأخير هو من عوضني خسارات في حياتي. في كل يوم أشعر أنني مبتدئ وقبل الصعود إلى المسرح لأقدم عملا جديدا تتملكني الرهبة». ومثلما تؤرق الصراعات والحروب المسرح المغربي فيبدو أن هناك معوقات أخرى تمثل هاجسا مزعجا له «ليست التكنولوجيا فقط من يصارع من أجلها الفن والثقافة من أجل البقاء.. بل هناك الانتشار والاهتمام بكرة القدم. أصبح الناس يفضلون التجمهر في المقاهي من أجل مشاهدة مقابلة في كرة القدم على الدخول إلى قاعة سينما أو مسرح». لكنه أكد تمسكه بتقديم أعماله المسرحية الفردية قائلا «حتى لو كان حبي للإبداع والثقافة ملاحقة للسراب فأنا أحب أن أقضي ما تبقى من العمر في ملاحقته».