في حالة تمسرح مفعمة بالحب، اختتمت مساء يوم الاثنين ما قبل الماضي (12 يوليو 2010) فعاليات ملتقى النص المسرحي السعودي والذي أقيم قي دورته الأولى لهذا العام وتنظمه جمعية المسرحيين السعوديين واستمرت فعاليات لمدة ثلاثة أيام. افتتاح الملتقى شهد حضورا رسميا، حيث افتتحه نيابة عن وزير الثقافة والإعلام، وكيل الوزارة الدكتور عبدالله الجاسر، وتم في حفل الافتتاح تدشين الموقع الإلكتروني لجمعية المسرحيين السعوديين، وتكريم الكاتبة المسرحية الرائدة ملحة عبدالله والملقبة ب “سيدة المسرح السعودي”، وإقامة أربع جلسات تضمنت 12 ورقة عمل متنوعة في محاور شتى داخل نسيج قراءة تجارب واتجاهات النص المسرحي في المملكة، حظيت جميعها بتعقيبات نقدية ونقاشات من المشاركين. رئيس جمعية المسرحيين والمشرف العام على الملتقى أحمد الهذيل عبّر عن سعادته بنجاح هذه التظاهرة المسرحية في تقديم منتج نوعي تميز بالتفاف الجميع حول هموم المسرح وتفانيهم من أجل خدمته، مشيراً إلى أن هذا الملتقى يمثل خطوة أولى نحو مزيد من الأنشطة التي ستسهم في جمع المسرحيين على مختلف اتجاهاتهم وتنوع تجاربهم من أجل تحقيق أقصى فائدة ممكنة تعود على المسرح السعودي. وأكد أن الفعاليات المسرحية تقدم عملًا ثقافياً تتطلب تكاتف الجميع من مسرحيين ومثقفين كما أنها تفتح الأبواب لكل صاحب رؤية وفكر ومشروع وإبداع، معبّرا كذلك عن ثقته بالطاقات التي تخلص للمسرح وتستطيع أن تقدم نفسها كرهان ناجح في أي مناسبة مقبلة لجمعية المسرحيين. بدوره قدم مدير الملتقى نايف معيض البقمي شكره لجمعية المسرحيين على تبنيها لفكرته واختيارها له مديرا للملتقى وشكر كل المشاركين من كتّاب ونقاد ومسرحيين على استجابتهم للدعوة، معتبرا أن هذا المشروع قام على محاولة دراسة وقراءة وتحليل تجربة النص المسرحي السعودي بوصفه جنساً أدبياً وشكلاً إبداعياً له خصائصه التي تميّزه عن غيره. وعبّر البقمي عن أمله في أن يستمر هذا الملتقى ويتوسع نطاقه في الدورات المقبلة بالاعتماد على رؤى المسرحيين واقتراحاتهم لتصور وشكل الدورات المقبلة. من جانبه قدم المسرحي عبدالعزيز السماعيل كلمة نيابة عن المشاركين في الملتقى أبدى فيها اعتزازه باسم الجميع لما وجده المسرحيون في هذا الملتقى من فرصة للالتقاء ومناقشة أحد أهم العناصر المسرحية تأثيراً، متمنياً أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى نحو تعزيز ودعم المسرح السعودي في مختلف عناصره وتجلياته. أعقب ذلك تسليم شهادات التكريم للمشاركين في الندوات واللجان المنظمة والتقاط الصور التذكارية. الجلسة الأولى شهد الملتقى اقامة أربعة جلسات عمل، الأولى كانت بمشاركة ثلاثة من أصحاب التجارب التأليفية في المسرح السعودي وهم: محمد العثيم وعبدالعزيز السماعيل وسامي الجمعان، وحملت الجلسة عنوان “النص المسرحي السعودي.. استلهامات فكرية” وأدارها هائل عقيل وتعقيب خديجة ناجع، وتضمنت أوراق الجلسة ثلاث قراءات مختلفة وأكثر من اشتغال وشهادة وتحليل بل ونقد ذاتي أحيانا، وقدم كل محاضر منهم رؤية حول الكتابة المسرحية بوصفها طقسا وحالة يمكن صنع سياقها واتجاهها الخاص، كما تناولوا حضور التراث والحكاية في مكوناتها الفنية. في البداية كانت الكلمة لمحمد العثيم الذي تناول ورقته بحس نقدي عال، وفكر رؤيوي متعمق، متطرقا في ورقته المعنونة ب “نص عربي من طقس إنساني” إلى تقرير وجوب مراجعة مفهوم النص المسرحي ومناقشة أخطائه بعيداً عن المعطى الثقافي العام معللا ذلك بقوله: “بدأنا أغرابا في المسرح وانتهينا أغرابا”، وطارحا فكرة أن الجمهور استحق الريادة برفضه الخطأ في مسرح الثقافة واتجاهه نحو البديل، واعتبر أن صعوبة احتواء جو مسرحي كامل هي السبب في اقتصار المسرحيين على تلمّس الاجتهادات. وتناول العثيم جوانب فنية مختلفة داخل تجربته الكتابية، منها المفردة المسرحية والموروث المنطوق والأغنية بوصفها حالة مقتطعة من انفعال مسرحي. ثم انتقل الحديث للكاتب عبدالعزيز السماعيل الذي قدم ورقة عنوانها ب “استلهام التراث الشعبي في المسرح” أشار فيها عن علاقته إنسانا بمشاهد التراث الذي أصبح مكوّنا ثقافيا تشكّل في وعيه ووجدانه وذاكرته قبل أن يحضر في نصه المسرحي، وبعد استعراضه لملامح من نشأته في بيئة الشعبية والفلاحية وممارسته لمهن البيع والشراء والعناية بالنخل أشار إلى عدد من الأعمال التي اكتشف فيها حضور عبق التراث ومنها “موت المغني فرج” و”الصرام” معلقا بعد ذلك: كان لابد لي من تتّبعها نقديا وفنيا لإدراك المعنى الحقيقي لها وقيمتها وبالتالي التعامل معها كخاصية مميزة في كتابة النص المسرحي والدرامي مستقبلا”. وفي الورقة الثالثة قدم المسرحي سامي الجمعان ملامح من تجربته الخاصة ضمن عنوان “الوعي بتوظيف الحكاية في المسرح السعودي”، حيث انطلق بلغة رشيقة جذابة لوصف مراحل البداية الكتابية التي استهلها في عام 1398 ه بنص “الفقير” وثم “العودة” في 1401ه، لتبدأ مرحلة البحث الجاد وترتيب الأوراق وهي المرحلة التي عززها تخصصه الدراسي الدقيق في النص الأدبي، ويؤكد الجمعان أن الحكاية أخذته نحو عوالم التناصات والاقتباسات وتداخل الأجناس الأدبية وتعالقها، وأفهمته أن النص الأدبي مدى لا سياج له وأن جماليات النص المسرحي تكمن في قدرته على قبول شتى الأجناس الإبداعية. بعد ذلك قدمت الناقدة خديجة ناجع رؤية نقدية شاملة للأوراق الثلاث تقاطعت فيها مع بعض أفكارها وعلقت على طروحاتها، قبل أن يبدأ مجال المداخلات، فقدمت الدكتورة ملحة عبدالله شرحا موجزا من واقع خبرتها حول بعض المفاهيم فقالت: إن الموروث الشعبي هو ما يُنقل بالمشافهة عن طريق الحكاية أو السير أو الراوي، بينما الإرث هو: ما يُمتلك، والتراث هو: ما يُدون في الكتب ويُدرس، كما عرّفت الفن بأنه: التقاط لحظة بطريقة تشبه الصورة الفوتوغرافية. كما كانت هناك مداخلات من الناقد الأدبي محمد العباس ومحمد السحيمي. الجلسة الثانية حظيت الجلسة الثانية لملتقى النص المسرحي السعودي والتي كانت بعنوان “نص المونودراما.. أبعاد التجربة” والتي شارك فيها كل من الدكتورة ملحة عبدالله وعبدالعزيز الصقعبي وفهد رده الحارثي، بتفاعل واسع من النقاد والمشاركين في الجلسة التي أدارها نوح الجمعان وعقّب عليها المسرحي ياسر مدخلي. المتحدثون في هذه الجلسة اتفقوا على استعراض جوانب من مسيرتهم الكتابية في هذا المجال الذي يُطلق عليه “مسرح الشخص الواحد”، وتباينت آراؤهم بين من يطالب بالاهتمام بهذا الفن ومنحه المزيد من مساحات الضوء والرصد، ومن يرى عدم تمييزه عن النص المسرحي بشكله العام. ففي حين اقترحت الكاتبة والناقدة الدكتورة ملحة عبدالله تأسيس فرقة خاصة تعنى بكتابة النصوص المونودرامية وتقديم العروض محليا وخارجيا، معتبرة أنه الشكل الأكثر ملاءمة للظروف الحالية في المسرح السعودي. بينما رأى الروائي والمسرحي عبدالعزيز الصقعبي أن الملتقى يجب أن يعمل على تشكيل رؤية جديدة للنص بغض النظر عن شكله. أما فهد الحارثي فوقف في منطقة وسطى ودون أن يخفي تعلقه بنص المونودراما الذي قدم من خلاله أعمالا مهمة في تجربته، وفضّل النظر إلى هذا الفن المسرحي بعين المحايد، في هذه الجلسة قدمت الدكتورة ملحة ورقتها بعنوان “المونودراما وأزمة المصطلح”، وفيها تناولت تجربتها في هذا المجال من خلال عملين هما “العازفة” و”اتش ون ان ون” قائلة أن أسباب عدة دفعتها لخوض هذه التجربة منها ميلها لكتابة الفنون الفطرية والإنسانية وإحساسها بالانتماء إلى هذا اللون (كتابة المونودراما) بالإضافة إلى شعورها بحاجة المخرجين للنصوص الدرامية والأزمة التي يعانيها المسرح العربي، وقامت بتعريف مصطلح المونودراما وهو “محاكاة لفعل درامي محدد له طول معين لشخصية واحدة يقدمها ممثل واحد مستعرضا أزمة الشخصية مع نفسها أو تجاه الآخرين من خلال المناجاة والجانبية والحوار مع شخصيات افتراضية ومشفوعا بألوان التزيّن الفني”. بدوره قدم عبدالعزيز الصقعبي ورقته بعنوان “صخب الآخرين في الجسد الواحد.. حديث عن تجربة المونودراما” وانتقد تحوّل المونودراما إلى مايشبه “الصرعة” التي تم تقديمها بشكل مبعثر ومشتت وعبر حوارات متعددة أحيانا لا يصلح أن يؤديها شخص واحد بل هي أنسب لعدة شخصيات متباينة ضمن نص مكتمل، واعتبر أن الحاجة ليست ضرورية لتقديم مونودراما بقدر ما هي مهمة لكتابة أعمال مسرحية متكاملة. من جانبه أعاد فهد الحارثي الجلسة إلى أجواء بدايته المونودرامية في ورقة أسماها “تقاسيم على التجربة” وانطلق فيها من إدراكه أن المونودراما ترتبط بصلة رحم مع الحكي والحكواتية وتربطها صلة جوار عميقة بالسرد والسارد، وتطرّق لتجربته الأولى في كتابة هذا اللون المسرحي وعرج على نصوص مونودرامية أخرى. بعد ذلك عقّب ياسر مدخلي على أوراق هذه الندوة، وكانت هناك مداخلات من سامي الجمعان وحليمة مظفر ومحمد العباس وعبدالعزيز عسيري. الجلسة الثالثة “مسرح الطفل بين الواقع والمأمول”.. كان هذا عنوان الجلسة الثالثة لملتقى النص المسرحي السعودي والتي أثارت الكثير من الأسئلة من خلال الأوراق التي قدمها كل من فهد الحوشاني بعنوان “مسرح الطفل الحاضر الغائب” ويحيى العلكمي بعنوان “مسرح الطفل.. الفعل التربوي وأثره”، ومشعل الرشيد بعنوان “الموضوع والنموذج في مسرح الطفل في السعودية” وأدارها المسرحي مساعد الزهراني وعقّب عليها عبدالعزيز عسيري. بدأ الكاتب فهد الحوشاني بتقديم نقد صريح لغياب الاعتراف بأهمية مسرح الطفل وتجاهل قيمته الثقافية وتطرق لنشأة هذا النوع من المسرح وأبرز رواده وما يُقدم من مسرح الطفل في المملكة مشيرا إلى اقتصاره على اللون التقليدي بسبب غياب التأهيل الأكاديمي الذي يمنح الكاتب المعرفة بالأنواع الأخرى، كما تطرق للأهمية الحضارية والفائدة التعليمية والتثقيفية لمسرح الطفل، وقال بوضوح: “ليس لدينا مسرح طفل” ويرى أن المحاولات القائمة لا تعدو كونها اجتهادات. الحوشاني -وهو المشرف على مهرجان الطفولة الذي يقام دوريا في الرياض- يرى أن جهود المؤسسات الثقافية الرسمية هي الطموح لإيجاد مسرح الطفل، ويقترح حلولا منها التعجيل في قيام المجلس الأعلى للطفولة، وإنشاء معهد مسرحي يتخصص في شتى المجالات، ودعم وزارة التربية والتعليم للمسرح المدرسي، وتشجيع وزارة الثقافة والإعلام للفرق الخاصة وتكريم المبدعين في مسرح الطفل وعرض أعمالهم المميزة في وسائل الإعلام. فيما تناولت ورقة يحيى العلكمي الدور التربوي لمسرح الطفل بالإضافة إلى الأسس الفنية والبنائية وأهم الإشكالات التي تواجه هذا اللون المسرحي، واعتبر العلكمي أن مسرح الطفل يعتبر عملا فنيا بالدرجة الأولى قبل أن يكون عملا تربوياً، وانتقد غياب التكوين الأدبي والمسرحي لدى أغلب من يكتبون للطفل، ويضيف: نحن بحاجة إلى كتّاب مبدعين في مسرح الطفل يتمتّعون بخبرات الحياة ونظريات المعرفة. أما المسرحي مشعل الرشيد فقد قامت ورقته على قراءة في واقع مسرح الطفل المحلي فبدأ من تعريفه لينتقل إلى واقع نص هذا المسرح ونشأته واستلهامه التراث والأسطورة وحياة الغابة ثم دوره كاستجابة لتوسع المدينة والمتغيرات الاجتماعية الحديثة. وركّز على الاختلاف الدرامي بين مسرحي الطفل والكبار، وتناول نماذج من نص مسرح الطفل في المملكة خلال السنوات الماضية. أعقب ذلك تعقيب عبدالعزيز عسيري الذي أكد على أهمية دور المؤسسة الاجتماعية والمحيط الأسري في تشكيل وعي الطفل وتحفيز أو تأزيم علاقته بالفنون إجمالا، معتبراً أن مسرح الطفل يتطلب بيئة تكفل تحقيق الاستفادة القصوى من قيمته التربوية والفنية. في حين اتفقت المداخلات على المطالبة بإدراك واكتشاف هذا المسرح الذي سينتج أجيالا جديدة للثقافة والمسرح، كما انتقد بعض الحضور عملية تسطيح ذائقة وعقلية الطفل بأدوات تسيء استخدام الإعلام والفن والدراما، وطالبوا بتقديم رؤية عصرية لمسرح الطفل تتجاوز المفاهيم القديمة التي لم تعد مواكبة للتطور العقلي والإدراكي الذي يعيشه الطفل في الواقع الراهن. الجلسة الرابعة الجلسة الرابعة والأخيرة من جلسات الملتقى كانت بعنوان “إشكالات النص المسرحي في السعودية”، وكان الحضور فيها على موعد مع أكثر الأسئلة صراحة في تشخيص الواقع وشفافية في مواجهته من أجل النهوض بالنص المسرحي وبالمسرح عموماً، وشارك في الندوة كل من الكاتبة حليمة مظفر والناقد الأدبي محمد العباس والكاتب محمد السحيمي وأدارها رجاء العتيبي وعقّبت عليها الدكتورة سماهر الضامن. كانت البداية مع ورقة حليمة مظفر والتي جاءت بعنوان “لحظة التآمر على النص المسرحي” وتبنّت فيها رؤيتها على مبدأ أن النص المسرحي يتمتع بخصوصية أدبية ينفرد بها عن سائر الأنواع الأدبية كونه “ُكتب ليُمثل، وبعد مرورها على بعض إشكالات المسرح السعودي كتوظيف المرأة والتراث والأسطورة وإشكالية البناء الدرامي، أشارت إلى أن الكاتب المسرحي دون غيره قد يقع ضحية لتآمر ظروف المسرح في مجتمعه، بجانب افتقاده غالبا للدراسة الأكاديمية المتخصصة في المسرح وغياب المسرح السعودي ككائن مكاني يحتل موقعا كفعل ثقافي واجتماعي منظم. وكلها عوامل تقود إلى إشكاليات في توظيف الزمن والمكان ومجموعة من العناصر التي تتكامل بطريقة ينتج عنها تحول النص إلى أدب مقروء غير صالح للحياة على منصة المسرح. بعد ذلك قدم الناقد الأدبي محمد العباس ورقة ثرية عنونها ب “كتابة المكتوب.. إحياء المؤلف أو إماتته”، تقاطع فيها برؤية عميقة مع نص “موت المؤلف” للمسرحي سامي الجمعان والذي يقوم على استحضار رمزية سعد الله ونوس. حيث انطلق من استعراض المصاعب الخمس لكتابة الحقيقة حسب مقولة شمولية لبريشت، و قال إن المسرح السعودي بلغ مرحلة يمكن فيها مجادلته، مؤكداً على أهمية أن يتوجّه المسرح إلى كل الناس وليس للقارئ فقط. وإن كان العباس أشار إلى الإحالة البديهية في عنوان الجمعان إلى نظرية موت المؤلف لدى رولان، إلا أنه عاد ليؤكد الاختلاف النوعي في حالة النص المسرحي -محور الورقة-، حيث انطلق المؤلف هنا من رغبة إجراء حالة إحياء أكثر من إماتة المؤلف، فيقول العباس: كان الغياب البيولوجي هو المحرض الذي يستبطن في داخله رغبة احتفائية أو رثائية لا واعية.. ربما لاستعادة سطوة وهالة المؤلف سعد الله ونوس وليس إعلان موته. وكانت هذه النقطة واحدة من المفارقات التي تناولها العباس في ورقة يمكن وصفها بمرجعية أساسية ضمن مشروع نقدي يمكنه أن يكون موازيا ومتقاطعا مع مشروع سامي الجمعان المعلن والمتصل بتقديم رموز المسرح بهذه الطريقة من الكتابة، حيث أشار العباس أيضاً إلى تقاطعات عدة منها بعض تمثلات مسرح التناقض وبحث المؤلف عن توليفة نصية تحاول تحطيم السائد التعبيري وهي محاولة قد تعرضه لمخالفة متطلبات التجريب والوقوع تحت سطوة النص الواحد. أما محمد السحيمي فقدم رؤية عنوانها “غياب المرأة في المسرح السعودي”، وسمتها الأساسية التحليل المنطقي الذي لا تنقصه الصراحة ولا تعوزه تسمية الأشياء بمسمياتها بما في ذلك نقد الذات وتحمل المسؤولية بشجاعة عن التسبب بطريقة أو بأخرى في تكريس هذا الغياب، ويقول: حين نمثّل المملكة خارجياً ونُسأل عن عدم وجود المرأة لدينا في المسرح فإن أذكى إجابة هي ((المسرح كله غير موجود لدينا، إذا أوجدناه فستوجد كل عناصره)). وأضاف وهو يكرر: ((نحن من غيّب المرأة))، قاصداً بذلك كتّاب المسرح. بعد ذلك جاء دور الناقدة سماهر الضامن والتي قالت في رؤيتها التعقيبية: إن أسوأ أنواع التعاطي مع المنتج المعرفي هي الانطلاق من خارجه والدخول في تفاصيله للمطالبة بالتعديل أو التغيير فيه. وتناولت مفهوم حضور المرأة في المسرح معتبرة أنه يلتبس مع فكرة تقديمها كمجرد عنصر متمم وليس باعتبارها ذاتاً مؤثرة. وفي حين أشارت الضامن إلى أن المرأة تركت الزمن مفتوحا للرجال وبدأت في تطوير أدواتها ومسرحها الخاص، لم ترَ احتمالا واردا لمقارنة الحضور المسرحي الجسدي والواقعي بحضور الشخصية في الوسائل المرئية أو المسموعة. الجلسة شهدت مداخلات من سامي الجمعان الذي علّق على الورقة التي تناولت نصه فنفى علاقة عنوانه بنظرية رولان بارت بقوله: “مصطلحي لا علاقة له به، هو محاورة مني لتوريط الناقد والمتلقي بطريقة ما”، وقال: إن مشروعه في تقديم تجارب الرموز عبر أعمال مسرحية خاصة مشروع متاح للكتّاب المسرحيين وقابل للزيادة والنقاش، مشيرا إلى أن تجربته الثانية في المشروع متعلقة بشخصية وتجربة المسرحي المعروف أحمد السباعي. بينما قال عبدالعزيز السماعيل في تعليقه على كلام السحيمي: إن عددا من المؤلفين كتبوا شخصية المرأة في نصوصهم قبل أن يوضح: “نعم ربما نكون متواطئين ولكن رغما عنا”، مشيرا إلى أن أزمة حضور المرأة في المسرح جزء من أزمات أخرى تحيطها على مستويات مختلفة. وحول النقاش المثير الذي شهدته الجلسة فيما يتصل بهذا الموضوع رأى الناقد محمد العباس أن يعقّب بما اعتبره أحد الحاضرين أهم توصية للملتقى: “يجب على المسرحيين إذا أرادوا النهوض بالمسرح أن يتوقفوا عن الشكوى والمناحات فينشغلوا عن ذلك بالتطبيق ويشتغلوا على تطوير نصوصهم وأدواتهم”.