كلما نظرتني في تلك المرآة لا أجدني! أبحث عني، لكن المرآة لا تظهر ملامحي، حتى أكسرها غضبا لأجدني متشظياً بين زجاجها. ذات مرة نظرت إلى وجهي في تلك المرآة. رأيت خيطاً من الدم ينزف من فمي، وأسناني تحولت إلى أنياب مفترسة، وأذناي طويلتان، وعيناي يتطاير منهما الشرر. كانتا محمرتين مخيفتين حتى أني فزعت مني! لأول مرة أراني مخيفاً وبشعاً. اكتشفت أنني وحشٌ كاسرٌ ولست بتلك الصورة الناصعة البيضاء التي كنت أظنها فيّ. كسرت المرآة.. كسرت المرآة وتشظت معها ملامحي. وفي صباح يوم آخر رأيتني في المرآة حملاً وديعاً، يحمل وجهي ملامحَ طفولةٍ بريئة وتتقاطر البراءة من عينيّ. كانتا تشعان حباً وتسامحاً. لم أعرفني! توهمتني أقوى في المرآة. هناك تحت جفني بدأت تتكور حفر صغيرة تذكرني بجروحي. رأيتني أنزف إنسانية. كنت منكسراً متناثراً. كسرت المرايا وتناثرت معها ملامحي إلى شظايا. وفي مرة رأيتني في المرآة مبتسماً متفائلاً. ملامحي سعيدة يطل الفرح منها وتشع السعادة من بين عينيّ. ابتسامتي تزخرف وجهي. لم أعرفني! كنت أظنني عبوساً مكفهراً حزيناً كسرت المرآة حتى طاشت معها ملامحي ورأيت ابتسامتي تتشظى مع المرآة. ومرة رأيتني في المرآة أبلهاً أخرج لساني على نفسي وأغمز لنفسي وأضع إبهاميّ على أذنيّ، وأحرك باقي أصابعي كجناحي طائر ضحكت من بلاهتي حتى كسرت المرآة وأنا أضحك بطريقة هستيرية على شظاياها المتكسرة. مرة أراني أشبه ذلك السافل ومرة أشبه جارنا ومرة صديقي..... حتى أصبحت لا أثق في المرآة ولا في ملامحي.