ذهبت كعادتي في كل يوم أربعاء للقاء .. أحد أقرب الأصدقاء .. في مكان عام .. والذي لم يمر على زواجه سوى سنة ونصف... وسرقت لهفتي للقاءه .. حالته التي رأيته عليها كان ينفخ نفخات .... ويزفر زفرات ... ويتأوه تأوهات .... بل بدا شاحبا مكفهر الوجه .. قلت له: خالد ما بالك ؟؟ وما هذه الحالة التي أنت عليها فمثلك الآن يعيش أجمل أيام حياته... وأكثرها ذكريات جميلة ... إنها زهرة الزواج ... أول سنيه ... فلمحت عيني ..... أصابع يده اليسرى ... ترتجف لا إراديا .. وقد ارتسمت بقعة تعلو وجهه وهو يحاول أن يخبئ ما وراءها من هموم الأرض وكأنها ألقيت على كاهله ... وبعد تلكم الابتسامة خرجت من تفكيري وسألت عن فلان وفلان .... إلا أنني أحسست أن كلامي وكأنه ... يصطدم بجدار وهمي ويرجع إلي ..... بينما هو غارق في تفكير عميق ... نظرت إليه بتأمل كبير وفاحص ورغم ذلك لم يكن إلا شارد الذهن .... فرفعت وقتها يدي فجاء النادل مسرعا ... فقلت: خالد ماذا تشرب .. ؟؟ رد بسرعة وباقتضاب: أي شيء أي شيء .... فأيقنت وقتها أنه ليس بخالد... الذي نعرفه طلبت له عصيرا باردا .. وبينما أتمعن بالنادل وهو يضع الكأسين بعد سكوت طويل التفت علي بسرعة وفاجأني سامي.. سامي.. ! قلت نعم ! قال : ما رأيك عندي لك عرض ... لو سافرنا لأي بلد لأسبوع .. لم أتكلم بأي كلمة بل اكتفيت بنظرة استغراب طويلة ... فصفعني بردة فعله السريعة لهذه النظرة حيث انهالت دموعه بصمت وبحرقة فظيعة ... مما جعلني أقفز من كرسيي وآتي بسرعة لأجلس بجانبه وليس مواجها له ... يا إلهي .. خالد .. خالد ... ماذا حصل طمني .. لم أرك بحياتي وطوال أكثر من 20 سنة وعينيك تذرف الدموع ... أنت من أشرس من عرفت ... من هزمك ... من آلامك لهذا الحد .. ؟ من كسر كبريائك يا خالد .... ؟ أقول ذلك مواساةً ... وأنا في قمة الضعف وعيني تبرقان دمعا داخليا أسفا عليه ... وخوفا مما سيقول .... هو ولله الحمد مقتدر ماديا .. فالمادة قاهرة الرجال ... وعلاقته متميزة ومحبوب من أهله وأصدقاءه ... وبينما أنا أراقب النادل يضع المشروب... وعيناي تسرقان نظرات إليه إذ فاجئني قاطعا تساؤلاتي ودهشتي ... قائلا : ما رأيك لو خرجنا لنتمشى بالسيارة ... أجبته بسرعة بديهية ... أكيد ... أكيد ... وحولت الطلب للمشروبات خارجيا ... ركبت السيارة ... وقبل أن أدير المفتاح في مقبس التشغيل .. أخرجت من الكيس مشروبه وهو غير مبالي ... وفتحته له وأنا أقول له بهمس ... خالد .. فضفض فلقد أشغلت كل تفكيري .. رد علي بسرعه .. سامي ... كرهت اسمي .. !!!!! ضحكت بطريقة لا إرادية ... وبشكل هستيري .. نوعا ما .. متوقعا أن تلكم مزحة .. بل الموقف بأكمله ... قاطع ضحكاتي ... قائلا .. سامي أنا لا أمزح .. لملمت نفسي واحتقرتها كثيرا ... وغيرت بسرعة هائلة ملامح وجهي مستغربا ومتسائلا... ( خير وش السالفة ) ؟؟ قال : أنت كأخي ... وأنا أختنق أمامك ولا أستطيع اتخاذ قرار ثم انخرط بسرد قصته وكأنه منحدر من جبل .. وكأنها حمل افقده توازنه ... قال : ذهبت أداءً للواجب لحضور عزاء ( لزوجة أب زوجتي ... ) والتي توفيت من أثر السرطان الذي عانت معه طويلا على مدى حوالي 6 سنوات .. وبعد عودتنا من أول يوم عزاء .. بادرتني بالمساء بسؤال .. هل رأيت شخصا يقال له فلان ... من الموجودين ..؟ فقلت بكل براءةٍ : نعم رأيته ... فقالت : حتى أنا رأيت زوجته ... تعرف يا خالد هي ( عادية جدا ) !! قلت تقصدين أنك أفضل منها جمالا ؟؟ قالت : نعم . فاستدركت وقتها مازحا ... ولم تقارني نفسك بها وكأنها خطفته منك ِ هل كان حبيبك يوما ... ؟؟ طرحته سؤالا وأنا تعلو وجهي ابتسامة عريضة وثقة كبيرة ... ولكن اختنقت بابتسامتي وبلعت ريقي ... بسرعة .. لأنها سكتت ... وأعدت السؤال وأنا حقيقة متردد من إعادته لأنه علاني خوف شديد وعلى وجهي الابتسامة ... لم أزيلها كنوع من التعلق بأمل أن أستكملها .... فردت .. وهي تنظر للسقف / من زمااااااااااااااااااااااااااااان !! أصدرت وقتها أذني طنينا .... فظيعا وكأن قنبلة انفجرت بجانبها ... تمالكت نفسي ... واستجمعت قواي ... وسألتها سؤالا مباشرا .... ي ( .... ) فلانه .. هل تحبينه إلى الآن .... أتوقع أن الحب الأول لا ينسى بسهوله .. وسكت خالد ولم يكمل وأنا امسك بيده بسرعة .. وأقول له ... بماذا ردت .. ؟؟ فقال ... ألجمتني بلجام ... عندما ردت قائلةً غصب علي ..... ارتميت على السرير قبل أن أعدل شماغي وقد كنت أهم بالخروج من المنزل ... أما هي ... ارتبكت ... وقالت ولكن أنت زوجي يا خالد الآن .. وتهمني كثير ..... وأحبك ... اسود وجهي يا سامي ... وتمنيت لو لم أسئل ... ومنذ ذلك الوقت إلى الآن وأنا لا أراها شيئا ... ولا أحس بأي مشاعر تجاهها ... هل تعرف ما الذي يقتلني بالموضوع يا سامي ؟؟ أن اسمه ( خالد ) مثل اسمي ... !! صدقني كل أمور حياتنا العاطفية أو الحميمة عندما تناديني يتبادر إلى ذهني مباشرةً .. أنها قد تتلذذ ... بالاسم ... وتعنيه ولا تعنيني .... بدأت أوسوس بوساوس شيطانية ... ما يدريني فقد تكون تتمناه إلى الآن .. سامي .... حياتي جحيم جحيم .. عندها التفت إلي ... وقال ( شفت الهنا اللي أنا فيه ) همسة صارخة في أذن كل فتاة مقبلة على الزواج .. ما ذنب صاحبنا خالد... ؟؟ ولم نقضي من حيث لا ندري على حياة اخترناها بأنفسنا ... لا تعيدي الماضي المظلم..... وأنتِ تعيشي المستقبل المشرق ..... من غير المنطقي أن يستمر ألمنا..... من ماضينا ..... فأنتِ في مكان وزمان مختلفين .. لن يكون هناك غلق لمثل هذه القصة بل ستبقى حائرة كحيرة خالد بل ومعلقه .. وأخيرا : وتبقى الدنيا حلوة أخوكم : سامي بن محمد الحمود مدير مركز التدريب بغرب الرياض