من يتتبع مسيرة النهر العريض للعلاقات العربية - العربية؛ يدرك دون كثير عناء تميز وأهمية العلاقات السعودية المصرية، ويتلمس مجموعة من الأبعاد التي تشكل ذلك التميز، ويُؤكد تلك الأهمية. وأزعم كغيري من المراقبين لميدان العلاقات الدولية، أن أبرز تمظهرات علاقات البلدين تتجلى في بعدها "التاريخي" الذي جسده وعي القيادات السعودية والمصرية المبكر بأهمية التلاقي بين إراداتهم، ولعل المصارد التاريخية تكشف لنا ان الزيارة الوحيدة خارج نطاق المملكة ومنظومة أقطار الخليج المجاورة للقائد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كانت زيارته الفريدة لمصر عام 1946م، وفي الحقيقة كانت زيارة شاملة للقيادة السعودية في ذلك الوقت المبكر، بمعنى أنها امتدت الى لقاء أطراف دولية ايضاً. وكانت منعطفا في قوة هذه البلاد وامتداداتها الاقليمية والدولية. وفي ظل السياق التاريخي للصلات السعودية المصرية تسجل المصادر ان العلاقات مرت بمحطات، أو وقفات مفصلية فرضتها أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية إقليمية تارة، ودولية تارة أخرى. واللافت أنه في أعقاب هذه المراحل أو الوقفات كانت العلاقات تعود بشكل نموذجي، وقوي، وبدلالات تحمل أبعادا استراتيجية تتقدم على لحظات الحدث الظرفية دائما. حدث ذلك بعد 1967م بعد ان تمَّ تجاوز خلافات اليمن وتقاسم الجرح العربي والوقوف وقفة عربي واحد في مواجهة العدوان والهزيمة، وحدث وبشكل اكثر وعيا في 1973م عندما توحدت الرؤى والقدرات وظهر البناء العربي للعالم بلحمته السعودية المصرية في المقدمة مع بقية الأشقاء العرب. تكررت حالات الوعي بأهمية التعاضد بين البلدين بعد اتفاقية (كامب ديفيد)، وعندما عادت مصر لامتها وعادت الامة إلى روحها مصر. وتذكر المصادر التاريخية، أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كان مهندس عودة العلاقات وتعزيز لحمتها بين قيادة البلدين، وأنه -أمد الله في عمره- بما له من صلات وعلاقات وحضور لدى القيادات العربية ومنها القيادة المصرية مهد السبل لعودة مباركة بين البلدين. البعد التاريخي في مساره يفضي الى نتيجة بالغة الاهمية وتحظى بتطابق وجهات نظر البلدين وراسمي السياسة فيهما وهي "الحتمية الإستراتيجية"، والتي تشير في أحد معانيها وصورها الى ان هاتين القوتين العربيتين هما فرسا الرهان في استقرار واستمرار الوطن العربي، وانه رغم كل الظروف والمعوقات يجب ان يكون تماسكهما الضمان للبقاء الاستراتيجي للدولة والانسان والنظام العربي في المنظومة الدولية. العلاقات الثنائية بعد هذه المسيرة الطويلة الحافلة بالوعي، والتفاهم، و"القوة" بين الدولتين تُوجت أخيرا بمجلس التنسيق في التعاون، وخططه، وبرامجه، وهذه الخطوة تعكس الوعي السعودي باهمية الدور المصري في البنية العربية العامة. وتفسر قوة التحرك من جانب المملكة في أعقاب 30 يونيو حيث تجلت خطوات الدعم والمساندة في جوانبها السياسية والاقتصادية، وبرزت وقفة القيادة السعودية وحزمها في وجه الفوضى التي كادت ان تجتاح المنطقة وحاولت ريحها الاقتراب من الكيان المصري. وذلك كما يعرف الجميع، عبر حزم ضد دعوات التدخل، وهجمات الإرهاب العابثة. في المقابل، الجسم المصري السياسي والبشري العام كان قادرا على التعافي في وقت قياسي، وتمكنت مصر من لعب الدور المطلوب في مواجهة المعضلات الداخلية، والإقليمية، والدولية. وبقي خيار التعاون بين البلدين الخيار الأمثل لحفظ كيان الامة من التمزق. التحديات التي تحاول النيل من هذه المسيرة، تتطلع لجملة أهداف، أبرزها إضعاف الكيان العربي العام، وتفتيت الادوار القيادية للدول المحورية فيه، يقود هذه التوجهات تقليديا دول ليس من مصلحتها كما تعتقد وجود هذا التناغم السعودي المصري العربي العام، يضاف الى تلك الدول تنظيمات ارهابية تخريبية، تقوم في معتقدها، ومصالحها الضيقة والفاسدة على تغييب الدولة والنظام في الدول العربية واحلال سلطة الميليشيات والجماعات مكانها. وإذا نظر الانسان العربي حوله في اليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان، وليبيا؛ وجد ما يكفي من الاشارات البينة. إذن التحدي الذي يطل برأسه في هذه الحقبة حقيقي ويطال الجذور،. لذا نجد انه ضمن اطر التعاون السعودي المصري على وجه التحديد، وبعد استيفاء أبواب مهمة في مجالات الثقافة والاقتصاد والتنمية والطاقة وغيرها من مجالات التعاون التقليدية، برز اهتمام البلدين بالتعاون في مجال "القوة" ومكافحة الاخطار، الحالة التي تنال من البلدين ومن المكون العربي اجمالا، حيث تشهد مجالات التعاون الدفاعية عددا من اوجه التعاون والتدريب والمناورات العسكرية ولشتى القطاعات الجوية والبحرية والبرية، وجزء من هذا التعاون الاستراتيجي مصري سعودي خالص، ومصري خليجي. ويمكننا القول انه بعد التجارب العربية الحديثة التي اكدت للعرب قبل غيرهم قدرتهم على انتزاع خياراتهم وتخليص دولهم وامتهم من اخطار الارهاب والفوضى واطماع الغير، أصبح حريا بالدول القطبية والمحورية في النظام السياسي والأمني العربي الأخذ بزمام عدد من المبادرات، سعياً لتحقيق الامن، والاستقرار في الدول العربية التي تعاني اشكالا من الاضطراب، ولوقف انهيار الدول والمنظومات الاجتماعية والسياسية في اقطار أخرى، ولعل الدعوة التي توجهت بها القيادة المصرية في قمة شرم الشيخ في مارس 2015م الى الدول العربية بشكل عام لإعادة احياء منظومة الدفاع العربي المشترك التاريخية بصورة أكثر معاصرة عبر "قوة" عربية مشتركة تساهم في صد الأخطار عن الكيان العربي العام، وتحفظ الامن والاستقرار في المنطقة في ظل كل هذه التحديات، أقول لعلها التوجه الذي يعكس مدى خطورة ودقة المرحلة التي يعيشها عالمنا العربي. مسيرة علاقات البلدين وبجوانبها المتعددة، وأوجهها الكثيرة، تكتسب مع الأيام ومع تفهم ووعي القيادات السياسية في البلدين متانة، وقوة، تستعصي على الاختراق والتخريب من أعداء الداخل والخارج.