نستعرض اليوم موضوعا من الأهمية بمكان حيث يجب على جميع المتداعيين الإلمام به ومعرفته، وهو كذلك بنفس الأهمية للمحكمة ناظرة الدعوى، حيث يترتب على التنازع في مكان إقامة الدعوى والتدافع بين الأطراف أو المحاكم خسارة الكثير من الجهد والوقت بينما تنتج المعرفة الصحيحة بمحل اقامة الدعوى توفيرا كبيرا لهما وتسهيلا في سرعة الفصل في الدعوى حال إقامتها في مكانها الصحيح، لذلك أتى هذا المقال اليوم عن مكان اقامة الدعوى (الاختصاص المكاني) ليساعد القارئ الكريم وييسر عليه معرفة أين يستطيع إقامة دعواه. فالمقصود بمكان إقامة الدعوى هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة، أو على وجه الاعتياد والاستقرار، والمقصود بالاستقرار هو استمرار الاقامة على وجه يتحقق معه شرط الاعتياد، أما مكان وجود الشخص وسكنه في مكان ما فترة مؤقتة فهو لا يجعل من هذا المكان محلاً صالحاً لإقامة الدعوى ضده ما لم تكن الاقامة مستقرة فيه، حيث نصت المادة التاسعة من نظام المرافعات الشرعية الصادر بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم 13/ت/5332 وتاريخ 19/05/1435ه أن «المقصود بمحل الاقامة في تطبيق أحكام هذا النظام المكان الذي يقطنه الشخص على وجه الاعتياد وبالنسبة للبدو الرحل يعد مكان إقامة الشخص المكان الذي يقطنه عند إقامة الدعوى» فإذا كان الشخص يقيم في أكثر من مكان ولم يكن واضحاً المكان الذي يعد محلاً لإقامته، فالمعتبر المكان الذي تكون فيه إقامته على وجه الاعتياد والاستقرار، ويقوم القاضي باستخلاص ذلك من الواقع وقرائن الاحوال. فالقاعدة العامة في نظام المرافعات الشرعية السعودي وفي جميع أنظمة المرافعات أن الدعوى تقام في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها المكاني محل إقامة المدعى عليه، سواء أكان المدعى عليه شخصاً طبيعياً (مدعى عليه فرد) أم شخصاً معنوياً (شركة أو جهة حكومية)، وقد نص على ذلك نظام المرافعات الشرعية بمادته الخامسة والثلاثين «يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مكان إقامة المدعى عليه» ويسمى هذا بالاختصاص المحلي أو المكاني وهذا هو الاصل أن تكون الدعوى تقام في بلد اقامة المدعى عليه، واذا لم يكن للمدعي والمدعى عليه مكان إقامة في المملكة فللمدعي إقامة دعواه في إحدى محاكم مدن المملكة، كما أنه إذا تعدد المدعى عليهم يكون الاختصاص منعقداً للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مكان إقامة الأكثرية، وفي حال التساوي يكون المدعي بالخيار في إقامة الدعوى أمام أي محكمة يقع في نطاق اختصاصها مكان إقامة أحدهم، كما نصت اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية في المادة السادسة الثلاثين علىأنه إذا قيدت الدعوى في المحكمة المختصة مكاناً ثم تغير مكان إقامة المدعى عليه، فيبقى الاختصاص للمحكمة التي قيدت فيها الدعوى، واذا اختلف سكن المدعى عليه ومقر عمله، فالعبرة بسكن المدعى عليه ما لم يكن مقيماً أيام العمل في بلد عمله فتسمع الدعوى فيه كما في الدعاوى المقامة ضد العسكريين المقيمين طوال أيام الاسبوع في مقر أعمالهم ولا يعودون إلى منازلهم إلا نهاية كل اسبوع فتقام في مقر عملهم، كما أنه اذا وجد شرط بين الطرفين على تحديد مكان إقامة الدعوى، فيكون نظرها -أي الدعوى- منعقداً في البلد المحدد في الشرط كما لو كان طرفا العقد احدهما وهو المدعي يقيم بالخبر والمدعى عليه يقيم بجدة واشترطا في حالة النزاع أن المحكمة المختصة بنظر هذا النزاع هي محكمة الخبر فينعقد الاختصاص لمحكمة الخبر رغم ان المدعى عليه يقيم بمدينة أخرى وهي جدة، وإذا كان للمدعى عليه مكان إقامة في أكثر من بلد، كأن يكون له مقر سكن في الخبر وآخر في الدمام، فللمدعي إقامة الدعوى في إحدى هذه البلدان، أي يختار احداهما، وإذا كان المدعى عليه ناقص الأهلية، أو وقفا، فالعبرة بمكان إقامة الولي ومكان إقامة ناظر الوقف، ولا عبرة باقامة الدعوى بمكان اقامة الوكيل أو المحامي إنما العبرة بمكان إقامة الاصيل (المقامة ضده الدعوى)، وإذا كان المدعى عليه له محل إقامة ثم تركه، ولم يعرف له مكان إقامة (كالغائب والمستخفي) فتقام الدعوى في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها المكاني آخر محل إقامة له، ويتم تبليغ من ليس له محل إقامة معروف عن طريق وزارة الداخلية بالكتابة لإمارة المنطقة أو المحافظة وللقاضي عند الاقتضاء بعد إجراء ما ذكر آنفاً أن يبلغ المدعى عليه عن طريق الصحف المحلية التي يراها محققة للغاية والمقصود، أما بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالعقار نفسه كالنزاع على اصل العقار أو طلب صك استحكام على أرض فتقام في بلد العقار سواء أكان المدعى عليه يقيم في نفس البلد أم لا المادة (227) والمادة (228) من نظام المرافعات الشرعية، وتقام الدعوى على أجهزة الإدارة الحكومية لدى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها المكاني المقر الرئيسي لها، ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الجهاز الحكومي في المسائل المتعلقة بذلك الفرع المادة (37) من نظام المرافعات الشرعية، كما أنه تقام الدعوى المتعلقة بالشركات أو الجمعيات القائمة أو التي في دور التصفية أو المؤسسات الخاصة في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مركز إدارتها، سواء أكانت الدعوى على الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، أو من الشركة أو الجمعية أو المؤسسة على أحد الشركاء أو الأعضاء، أو من شريك أو عضو على آخر ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، وذلك في المسائل المتعلقة بهذا الفرع. وسوف نستكمل الحديث بالمقال القادم عن مكان إقامة الدعوى وما يستثنى من قاعدة أن الدعوى تقام في بلد المدعى عليه.