ترسل العديد من القياسات للسلع التي يجري شحنها في جميع أنحاء العالم إشارات تحذيرية حول آفاق النمو العالمي، بحسب ما قلت الأسبوع الماضي. إلا أنه تبين أن البيانات أكثر غنى حتى مما أدركت. أشار بعض القراء، على سبيل المثال، إلى أن الحجم المتعثر يعتبر مؤشرا أكثر موثوقية من انخفاض الأسعار، لأن الأسعار تتأثر بشكل لا مبرر له بديناميات العرض (المزيد من السفن). لكن كلما غصت أعمق، للأسف، أشعر بالقلق أكثر حول النمو. دعونا نبدأ بالبضائع التي يجري نقلها من خلال القطارات في الولاياتالمتحدة منذ منتصف مارس الماضي، فقد تراجعت شحنات السيارات من المنتجات الزراعية والمواد الكيميائية والفحم والمعادن والسيارات وغيرها من السلع أسبوعيا. الآن، يمكن تفسير بعض من هذا التراجع من خلال نجاح جماعات الضغط البيئية في الحد من استهلاك الفحم، لذلك كميات أقل من هذه الأشياء السائبة تحتاج لعبور البلاد إذا لم تكن محطات توليد الطاقة بحاجة إليها. لكن هذا من غير المرجح أن يكون القصة بأكملها. الأسبوع الماضي، أعلنت سكة الحديد (بي إن إس إف) لوارن بافيت، اللاعب الأكبر في شحنات السيارات في أمريكا الشمالية، أنها ستخفض الاستثمار بنسبة 26 بالمائة هذا العام، أول تخفيض لها في النفقات الرأسمالية منذ عام 2010، وهذا يشير إلى استعداد الصناعة لانتكاسة أخرى. ما هو أكثر من ذلك، يبدو من البديهي جدا أنه إذا كانت الشركات تنقل كميات أقل من شحنات السيارات على الطرق، فإن الاقتصاد يتجه صوب التباطؤ. أمضى جاسون شنكر، رئيس (برستيج إيكونومكس) في أوستن، تكساس، العام الماضي في تحليل أرقام الدراسة التي جمعتها رابطة التجارة (صناعة معالجة المواد). بالكاد توسعت صناعة الشحنات الشهر الماضي، حيث أفاد 48 بالمائة ممن شملتهم الدراسة الاستقصائية بوجود نقصان شهري في الشحنات. والنسبة نفسها أفادت وجود تباطؤ في الطلبات الجديدة لشهر يناير، في الوقت الذي انخفض فيه الرصيد الذي يتوقع طلبات جديدة مستقبلية إلى نسبة 67 بالمائة من أصل 84 بالمائة في ديسمبر. يتضمن تفكير شنكر أن الشركات التي تصنع الرافعات والروافع والرفوف والقضبان المستخدمة لنقل المواد "ينبغي أن تثبت أنها مؤشر قيادي للطلب على معدات التعامل مع المواد - ومؤشر قيادي للنمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة". نظرا للتقلص المصاحب في قطاع الصناعة التحويلية، يقول "إنه من المرجح أن تصاب الولاياتالمتحدة بحالة ركود قريبا - إن لم تكن قد دخلت فعليا في حالة من الركود". إذا كانت سوق السلع الأمريكية الداخلية آخذة في التباطؤ، ما الذي يحدث بين القارات؟ تبين أحدث الأرقام التي جمعتها (البيانات الملاحية المنتظمة في العالم) وحدات عددها 197400 تم شحنها في شهر نوفمبر، وهذا انخفاض بنسبة 22 بالمائة عن الذروة التي وصل إليها في عام 2014. أما بالنسبة للشحنات الأخرى الموازية لها من أمريكا الشمالية إلى قارة آسيا، تبلغ نسبة الرقم في شهر نوفمبر البالغ 579300 وحدة، أي حوالي 10 بالمائة دون المتوسط منذ عام 2011. ماذا عن الصين، التي تعتبر في طليعة المخاوف الاقتصادية العالمية بالنسبة لكثير من الناس؟ جمع زميلي في أخبار بلومبيرج آلاريك نايتنجيل بيانات من شركة كلاركسون للبحوث حول صناعة الشحن البحري العالمية. تقول شركة كلاركسون إنه كان هنالك تراجع بنسبة 4.2 بالمائة في عام 2015 في واردات الصين من فحم الكوك (المستخدم في صناعة الصلب)، والفحم البخاري (المستخدم في محطات توليد الكهرباء) وخام الحديد عن العام السابق، وتتوقع تراجعا آخر بنسبة 2.4 بالمائة في العام المقبل. إذا كانت توقعات كلاركسون صحيحة، فإن واردات الصين المنقولة بحرا من الفحم البخاري سوف تتراجع بحوالي 40 بالمائة العام المقبل مقارنة مع عام 2013، وصولا لأدنى مستوى لها منذ بداية العقد. الرقم الأكثر إثارة للاهتمام والذي وجدته في صناعة النقل البحري هو الرقم الذي يتعقب المتوسط العالمي لسرعات النقل البحري. حيث تراجع متوسط السرعة اليومي للأسطول في العالم بحوالي 10 بالمائة منذ منتصف عام 2008. التفسير البسيط (وربما المبسط) للسبب في أن السفن تبحر بسرعة أبطأ بكثير هو لخفض التكاليف، الأمر الذي من شأنه أن يوحي بأن أصحاب السفن قلقون بشأن الطلب على الخدمات التي يقدمونها. لكن يمكن إرفاق جميع أنواع التحذيرات للبيانات، وليس أقلها التضاعف منذ عام 2008 في الأسطول العالمي من شركات النقل الضخمة القادرة على سحب حمولة ساكنة تقدر ب 150 ألف طن أو أكثر. لم تواكب موانئ العالم هذا التوسع في الأسطول، والسفن المصطفة لتفريغ حمولاتها من البضائع تعتبر مشهدا مألوفا. في وقت سابق من هذا الأسبوع، على سبيل المثال، كانت هنالك 22 سفينة في انتظار إلقاء شحناتها من الفحم في ميناء واراتاه في نيوكاسل، شرقي أستراليا. لماذا الاندفاع عبر المحيط إن كنت تعلم أن عليك فقط الوصول إلى وجهتك حتى يتم إخلاء المرسى؟ بالنسبة لناقلات النفط بشكل خاص، هنالك أيضا تلك المسألة الصغيرة المتعلقة بتجارة النفط بحوالي 30 دولارا للبرميل الواحد - الذي يعتبر عاملا مثبطا لزيادة تكاليف الوقود لديهم عن طريق التسريع. حتى بالنظر إلى الصعوبات المتعلقة بتفسير بيانات الشحن البحري وفك تشابك العرض من الطلب والحجم من التكلفة، يبدو من الواضح أن الأرقام القياسية للنقل في العالم ترسم صورة أقل تفاؤلا. أما التقلص الحالي في الشحن عبر السكك الحديدية فيذكرنا بالانخفاض الذي بدأ في نهاية عام 2008 واستمر حتى عام 2009 - وهي فترة تزامنت مع تراجع الاقتصاد الأمريكي إلى حالة من الركود.