تطرقت في المقال السابق الى الدبلوماسية غير الرسمية أو ما يسمى الدبلوماسية الشعبية، وذكرت اننا في المملكة لم نستخدم هذه الدبلوماسية على نحو واسع؛ لأن دبلوماسيتنا الرسمية تقوم بدور متكامل في دعم علاقاتنا مع دول العالم، ولكن في بعض المراحل لا بد من وجود دبلوماسية شعبية مؤازرة للرسمية، ووضعت مثالاً لهذه الحاجة (المسألة السورية) التي ليس لنا علاقات دبلوماسية معها بعدما انحرفت قيادتها عن المسار الإنساني، وجاءت الدبلوماسية الشعبية المتمثلة بالجهود الشعبية السعودية الى جانب الرسمية في إغاثة الشعب السوري، وهنا أضع مثالاً آخر على ضرورة وجود (الدبلوماسية الشعبية)، وهو الساحة الأمريكية، فنحن لدينا علاقات تاريخية قوية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن ذلك لا يعني أن نظل على الصعيد الشعبي بعيدين عن التواصل مع الشعب الأمريكي خاصة وأن بناء القرار السياسي الأمريكي يلعب الدور الشعبي فيه قدرا كبيرا، ويكتسب أهمية مضاعفة، ودوننا دور اللوبيات التي تخدم اسرائيل، فهناك حركة اعلامية شعبية صهيونية مؤثرة على صانع القرار الأمريكي، تقوم بها اللوبيات الداعمة لإسرائيل، وتعمل على التأثير والتوجيه الفكري على الرأي العام الأمريكي، ونحن بحاجة لمزيد من الحماية لعلاقاتنا التاريخية مع اقوى دولة في العالم، وينبغي ألا نفرط فيها، وندعم الدبلوماسية الرسمية بمزيد من الجهود الشعبية خاصة وأن لدينا مبتعثين بالآلاف موجودون في أمريكا ويمثلون سفارة شعبية، ولكنها لا تزال غير منظمة وبحاجة الى تنظيم دبلوماسي شعبي، كما أن الوجود العربي والاسلامي قليل في أمريكا، ولا يمثل سوى (اقل من 1%) من نسبة السكان في امريكا ما يجعل الدبلوماسية الشعبية ضرورة في ظل هذه المعطيات. أيضا يمكن أن تتحرك النخب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية السعودية باتجاه الشعب الأمريكي وبناء جسور تواصل شعبية ومدنية بعيدا عن السياسية لتعزيز العلاقات الثقافية والحضارية بين الشعبين، فكثير من الأمريكان محصورون داخل بلادهم ولا يعرفون عن شعوب العالم إلا من خلال ما تقدمه لهم الميديا الأمريكية الموجهة في غالبها، حتى إن الكثير من الشعب الأمريكي لا يعلم ما تقدمه المملكة من مشاريع إنسانية تهدف إلى إعطاء الحياة معنى والتاريخ ثراء، رغم أن الإحصاءات الدولية قد نصبت بلادنا بمنصب الدولة الأولى التي تتصدر جميع دول العالم في دعم العمل الإنساني بما نسبته (0.5%) من مجمل دخلها الوطني، وهذا كفيل بعكس الصورة البهية لبلادنا تجاه العمل الانساني عند كل الشعب الأمريكي، ولذلك يمكن أن تتحرك وفود سعودية شعبية في إطار الدبلوماسية العامة وتحت مظلتها الى أمريكا، وتوظيف هذه المعلومة وغيرها، وتنظم فعاليات مع الشعب الأمريكي ومع مؤسساته المدنية، وأرى أن يتم استقبال وفود أمريكية، بعيدا عن الطابع الرسمي الاقتصادي والسياسي، من اجل تقوية الروابط والعلاقات وحمايتها من أي تضاد في المصالح السياسية، وقد نجحت أمريكا نفسها باستعادة وتقويم علاقاتها بكثير من الدول من خلال الدبلوماسية الشعبية بوفودها الثقافية والرياضية والمدنية واستطاعت التمهيد لعلاقات رسمية صحية أفادت الشعب الأمريكي، وعلاقاتنا بأمريكا من الأهمية بما يجب أن يتم تعزيزها بعمق شعبي يسهم في مزيد من تبادل المصالح ومعرفة ثقافات وحضارات وفكر الشعبين، وينسحب ذلك على بقية دول العالم خاصة التي لدينا معها مصالح أو نسعى لتأسيس مصالح استراتيجية مشتركة معها كالصين وتركيا.