قرأت أخيرا مقالا لافتا ومثيرا للاهتمام لأخي الدكتور إبراهيم بن عبدالله المطرف بعنوان "الإستراتيجية المستقبلية للعلاقات السعودية - الأمريكية والدور الأهلي المأمول" واللافت في الطرح هو ذلك الدور الأهلي الذي يتفق مع طروحات أعكف على مراجعتها ودراستها منذ فترة ليست بالقصيرة، في سياق ما يعرف في الأدبيات الدبلوماسية بالدبلوماسية الشعبية، لذلك يكتسب طرح أخي المطرف أهمية كبيرة ليس لمجرد التوافق في الرأي والاتجاه، وإنما فيما قدمه من مشروع دبلوماسي لعلاقة ذات قيمة سياسية واقتصادية عالية، انطلاقا من تأكيده بأن الأمم في عصرنا الراهن أخذت تتنافس فيما بينها، وتتسابق إلى تحقيق التقدم، وملاحقة ما يطرأ من جديد على كل صعيد، وإحراز النجاح في المجالات كافة، اقتصادية وعلمية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية وغيرها. ونظرا لما للمملكة من حضور دولي مؤثر وعلاقات سياسية عميقة ومتشعبة مع كثير من دول العالم، فهي بحسب رؤية الدكتور المطرف تكون بذلك قد استعدت وسعت إلى الانطلاق نحو عصر "المعلوماتية" الجديد عبر دخولها معترك العولمة بسلاح "المعرفة" لتؤّكد أن المواطن، السعودي والمواطنة السعودية قادران على المنافسة في أي سباق مع الآخر، بل وتحقيق "التفوق" في جميع الميادين، واتفق معه تماما فيما ذهب اليه، لأننا لم نستخدم الدور الأهلي في إطار الدبلوماسية الشعبية التي تدعم أي جهود سياسية ودبلوماسية للدولة، وتحتفظ بعمق ثقافي وحضاري وإنساني قادر على التواصل الفعال بين المؤسسات المدنية للمجتمعات، والدكتور المطرف يؤكد على أن من بين متطلبات تحقيق التفوق المشار إليه، تطوير علاقات المملكة الخارجية بجميع أطراف المجتمع الدولي ومكّوناته، خاصة القوى الفاعلة فيه، والأكثر تأثيرا في حركته، وهو ما يستدعي استنهاض الكثير من الهمم والطاقات، واستنفار الكثير من الجهود، خاصة في إطار المجتمع الأهلي وتطوير الشراكة المجتمعّية، باتّجاه حشد الإرادات القادرة على خدمة الوطن. إذن الدور الأهلي من خلال الدبلوماسية العامة أمر ضروري ومؤثر لا يمكن الاستغناء عنه وقد نجحت دولة كبيرة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية في توظيفه من أجل تقوية أو استعادة علاقاتها بدول أخرى كما في حالة الصين وكوبا وغيرها، فيما علاقاتنا بها تاريخية وقوية، وبحسب ما أشار الدكتور المطرف أنه يمكن النظر إلى علاقة المملكة بالولاياتالمتحدة على أنها تمثل ركنا أساسيا في سياسة المملكة الخارجية، وذلك من منطلق أن المملكة تتمتع ومنذ ما يقرب من الثمانين عاما بعلاقات مميزة مع الولاياتالمتحدة من جهة، ولأن الولاياتالمتحدة تمثل أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وتقنية في العالم من جهة أخرى، ما يعني أن المحافظة على تعزيز هذه العلاقات، هو أمر مطلوب على المستويات والأصعدة كافة، ومن واقع المحافظة على تلك العلاقات لا بد من الدور الشعبي لمزيد من التدعيم للصور الذهنية، خاصة في ظل كثير من المتغيرات الدولية التي ربما تعمل على تضارب المصالح السياسية المباشرة ما يتطلب معه دورا أهليا وشعبيا في هذا الجانب. مقال الدكتور المطرف من الأهمية بما يجعلنا نعمل من أجل إطلاق منظومة علاقات شعبية تعمل الى جانب الدبلوماسية الرسمية، ولتكن الولاياتالمتحدةالأمريكية مركز ثقل وتجربة لتطوير أدوات تلك الدبلوماسية، فمن خلال دراستي وعملي في كتاب يصدر قريبا بإذن الله عن الدبلوماسية العامة، أجد أن نموذج العلاقات السعودية الأمريكية مهم ليكون نقطة محورية في تدعيم العلاقات الشعبية والانفتاح على شعوب أخرى، من خلال كثير من المجالات الثقافية والمعرفية والفنية والرياضية وغيره، فمن خلال الرياضة استطاعت الولاياتالمتحدةالأمريكية إطلاق أبرز دبلوماسية شعبية في التاريخ المعاصر استعادت بها علاقاتها مع الصين وكانت المحصلة اللقاء الشهير بين الرئيس الأمريكي نيكسون والزعيم الصيني ماو.