استناداً إلى مقولة أرسطو في كتابه (السياسة) من أن الانسان كائن اجتماعي، أستكمل ما سبق أن تناولته- هنا– في مقالات سابقة عن أهمية وقيمة الدبلوماسية العامة أو الشعبية أو ما يسمى الدبلوماسية غير الرسمية في العلاقات بين الدول، وأعود لتأكيد اهميتها لكونها ممارسة وسلوكا اتصاليا شعبيا له كثير من المكاسب التي تساعد نظيرتها الرسمية في إحكام العلاقات الثنائية مع أي دولة، حتى تلك التي توصف بأنها تاريخية، إذ قد تتعرض لهزات في المصالح أو افتراق الاتجاهات السياسية مع الزمن، ما يتطلب ثباتا في مستويات غير قابلة للتغير، وذلك لا يأتي إلا من خلال الأبعاد الشعبية التي تكسر الحواجز الرسمية، لكونها متحررة من القيود السياسية. الدبلوماسية الشعبية هي النشاطات المبذولة من قبل الجهات الشعبية لكسب الرأي العام الخارجي بعيدًا عن أنشطة البعثات الرسمية وأنشطة السفارات، على أن تكون متكاملة مع السياسة الرسمية، وقد بدأ تداول مفهوم الدبلوماسية الشعبية على المستوى الأكاديمي في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1965م عندما طرحه عالم السياسة الأمريكي إدموند جيليون، ومن أبرز أدواتها المفكرون والاعلاميون والفنانون والجهات المهنية والطلاب والفرق الرياضية وفرق الفنون الشعبية، وغيرها من الأدوات التي تستطيع تكوين علاقات صداقة بجهات موازية لها من مختلف أنحاء العالم، وهذا– لعمري– يقدم فوائد جمة لبلادنا وللانسانية ومستقبلها، ومنها تفعيل الحس المشترك واليقظة الكاملة للضمير العالمي تجاه قضايا أمتنا العادلة، والحفاظ على رقي وسمو (حوار الحضارات) بعيداً عن انحطاط ودنو (صراع الحضارات). لعلنا نلحظ ما حصل من تطور لظاهرة المنظمات غير الحكومية حول العالم والذي رافقه تطور فيما يسمى بالدبلوماسية غير الرسمية التي سهلت التواصل وأصبحت تمثل رافداً من روافد التفاهم والتعاضد بين الشعوب، وقد أكون مصيباً إذا شبهت عمل الدبلوماسيتين الرسمية والشعبية بعمل الدورتين الدمويتين للانسان، أعني الصغرى والكبرى، أو القلبين الأيمن والأيسر، فلكل منهما دورته الدموية وأوعيته الدموية، وعملهما معاً يشبه عمل الدبلوماسيتين في تفعيل النشاط الدبلوماسي بشقيه الرسمي والشعبي. لا شك أن الدبلوماسية الرسمية هي الأداة الأولى لتفعيل السياسات الخارجية للدول، ولكن اصبحت الدبلوماسية الشعبية أكثر فاعلية وأوسع انتشاراً وأعمق تأثيرًا؛ ذلك لأنها أكثر بعداً عن تعقيدات القيود والبروتوكولات الدبلوماسية الرسمية وأكثر أماناً لخلق مستقبل متزن وجميل في العلاقات بين الشعوب والدول. بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية لم نستخدم هذه الدبلوماسية على نحو واسع إذ ظلت دبلوماسيتنا الرسمية تقوم بدور متكامل في دعم علاقات بلادنا مع دول العالم، ولكن في مرحلة متغيرة يتقلب فيها هذا العالم على النحو الذي نراه، لا بد وأن تحدث تقاطعات خارجة عن الإرادة لا تتماسك فيها العلاقة الرسمية، ما يتطلب دورا شعبيا ينهض بالعلاقات ويحميها، ولنا أن نأخذ مثال سوريا، فرسميا ليست لنا علاقات معها؛ لأن النظام السوري انحرف عن مساره الإنساني والسياسي والقومي وحتى الديني ليمارس إرهاب دولة ممنهج ضد شعبه، وكان ذلك كفيلا بالافتراق الرسمي عنه، غير أن العلاقات بين شعبينا غير قابلة للتحرك السلبي، ولذلك فإن الجهود الشعبية السعودية الى جانب الرسمية في إغاثة الشعب السوري واستضافته تمثل في شكلها العام نوعا من الدبلوماسية الشعبية بكل أدواتها للمحافظة على العلاقات بين الشعبين.. يتبع.