حدثني أحد الأشخاص من الذين يملكون عمقا في نظرتهم للواقع الاجتماعي في علاقات البشر قائلا: ان احد مآزق تفاعل الناس مع قضاياهم ومشاكلهم الاجتماعية غياب النصيحة وأحيانا وجود النصيحة لكن بشكلها المشوه، فالوقت والأسلوب والمناسبة تلعب دورا كبيرا في جدواها لكن معظم الناصحين لا يدركون ذلك جيدا.. كان حديث ذلك الرجل الكبير ملهما لي في وضع رأيي في النصيحة وكيف يمكن أن نقدمها بالشكل اللائق والمفيد حتى تحقق فعاليتها.. وعند عرض اي قضية لابد ان نقوم في البداية بتشخيص واقعها قبل البدء في تقديم الحلول لها. مبدئيا علينا ان نجيب عن عدة تساؤلات بهذا الصدد، من هم الأشخاص المحتاجون للنصيحة؟ وهل يمكن ان نقدم اي نصيحة لشخص محتاج لها دون ان يطلبها؟ ومتى تكون النصيحة ذات فائدة مرجوة؟ والأهم ثم الأهم من الشخص القادر على تقديم النصيحة بصورة نافعة تحقق الهدف والفائدة؟. أنا أعتقد أن مقومات النصيحة المفيدة لا تعتمد على حجم المعرفة والثقافة والعلم الذي يملكه الشخص الناصح في أحوال كثيرة، إنما تعتمد على الخبرة والتجربة التي يمتلكها في المجال الذي ينصح أو يؤخذ رأيه فيه، فحتى الشخص الذي لا يقرأ ويكتب قد يملك ثروة من الخبرة والتجارب والحكمة أحيانا تخوله لتقديم النصيحة وقليل الحظ هو من يفوت على نفسه فرصة الاستفادة منه.. والنصيحة الحقيقية ذات الجدوى المركزة ان تجعل صاحب التجربة -في اي مجال تود فهمه- يخبرك بتفاصيل قضيته ثم تستنتج انت خلاصة نصيحته دون ان تجعله يعطيك توجيها مباشرا فيما انت محتار فيه.. فهذا الأمر يشبه المنفعة التي تحققها مجموعات الدعم النفسي في بعض المراكز والتي تجمع مثلا بعض المرضى الذين يعانون مشاكل صحية من مرض ما مع بعضهم حتى يستفيدوا من تجاربهم المتبادلة بينهم في تخطي بعض الصعوبات.. لكن فيما يخص تلقي النصيحة عليك ان تملك طريقة جيدة في الاستنتاج والفهم بحيث تعي حجم الاختلاف بينك وبين تجارب الاخرين وامكانياتهم.. لا تأخذ النصائح والتجارب على أنها مسلمات نهائية تقودك لنفس المصير، ولا تستفرد أيضا برأيك الشخصي بشكل كلي في قراراتك النهائية وتصم أذنك عن أي مشورة.. ولا تكن مترددا دائما تكثر من التفكير والتفحص وتقف في (منطقة النصف) عاجزا عن الرجوع ومترددا في المضي. بشكل عام علينا أن لا نفرط في الخوف من اتخاذ القرارات ونغالي في البحث عن المشورة، فالقرارات الخاطئة أحيانا تصنع خبرات ملهمة للآخرين وتحقق للفرد ذاته مبدأ القياس على وزنها والاستفادة منها. ولا تقدم النصيحة لأي شخص لم يطلبها منك خاصة في الأمور النفسية والشخصية فعلاوة على أنها لن تحقق الفائدة ستخلق نوعا من الكراهية، فبعض الناس يعتبر تقديم النصيحة له إهانة له واستصغارا لعقله! وأخيرا أنصحك بعدم أخذ النصيحة من أي إنسان يتحدث معك بشكل مثالي بعيدا عن واقع إمكانياتك فمثل هؤلاء يبعثون الملل والإحباط وغالبا يسقطون عن مثالياتهم في أبسط مواقفهم، وأحيانا الأخذ بمشورة بعض المتهورين يقودك إلى نواح من التمرد في حياتك لها نكهة خاصة تكسر الرتابة وتملأ حياتك بالأحداث المثيرة حتى لو كانت متعبة.