يحظى البعض بفرصة وجوده خارج الوطن للعمل الإعلامي في وسائل وفضائيات، أو ممن يتم استضافتهم في قنوات ووسائل مختلفة سواء محسوبة علينا أم لم تحسب.. فيتسنى لهم الحديث عن موضوعات وطنية، واجتماعية، وثقافية، وفكرية ممتدة المحاور، ومفتوحة الأبعاد، ومتجاوزة السقف. ومما يلاحظ أن كثيرا من الوسائل الإعلامية تتلقف السعوديين الذين يتلبسون بتيار، وتوجه، وفكر معين تجد فيه تلك الوسائل مثارا للنيل من الوطن، أو الانتقاص من مجتمعنا.. فتتم استضافتهم وتفتح قضايا الوطن والمجتمع الخاصة معهم.. مع أن الوسيلة في حقيقتها قد لا تمثلنا، ومقدم البرنامج غالبا لا يمثلنا.. كما أنها لا تلتزم بأدبيات الإعلام بسبب تبنيها توجها، أو طرحا أحاديا يتم تعزيزه من خلال هؤلاء الذين أتيحت لهم الفرصة. وبالطبع بعض "ربعنا" لا يصدق نفسه حين يجد أن القنوات تستضيفه ليفرغ كثيرا من الشحن النفسي تجاه مجتمعنا بطريقة مقيتة ومعممة.. ويتجاوز بأطروحاته المأزومة كل منطق وعقلانية.. فهو يبدأ بالتعميم، والانتقاد، والجلد الاجتماعي والنقم الثقافي، والحرث الفكري.. ثم ينظّر، ويتفلسف.. ومقدم البرنامج يسحب منه ما يستطيع وهو يضحك داخله.. وكأنه يقول: زد بارك الله فيك، زد أيها الفالح. فيهيم "أخونا في الله" طربا وهو يستدعي الأوصاف المشينة، ويستجمع الانفعالات السلبية، ويجتر الألفاظ العفنة، ويقلّب الأقاويل المكرهة.. هكذا بدا كثيرا منهم حين يجلس على أحد الكراسي اللينة في برنامج اللغط الفلاني الذي يستثير المثار، ويحرك الساكن، ويسكّن المتحرك. أحدهم الهمام الفضائي.. في برنامج هوائي.. جاء "على وجهه" بسهولة حين تم استدراجه لينال من السعوديين ويصمهم ويصفهم بأنهم في حالة "......." ردت المذيعة قائلة: كبيرة هذه.. رددها.. وأصرَ، وأكّد عليها.. ولم يجد فيها أي مشكلة أن يقولها ويكررها.. عمّم بالسوء على مجتمع كامل ينتمي إليه هو ووالداه وأهله، ولم يحسه ذلك بشيء أو يسمع لكلمته التي قالها باستهزاء وتهكم وهي تقول "دعني".. علمت بعدها أنه يجهل أن كلمات السوء لها صوت دوما تقول دعني، لكي لا أهوي بك في جهنم.. ولكنه خلا له الجو فنقّر كما يشاء. لا اعلم حقا لمَ نجد من يقول إنه إعلامي ويقبل بليونة ليتجه إلى قنوات في بلاد أخرى، وعبر برامج موجهة ضدنا ليحكي عن مشكلات وقضايا تخصنا.. ويجتهد في تشويه مجتمعنا بطريقة غريبة، وكأنه ووالديه وإخوانه لا ينتمون إليه.. وحين يحكي ويثرثر لا يعرف للحق، والعقل، والعدل مكانا.. ففمه يسيل تهما، وتهكما، ونقدا جارحا بالتعميم والنقمة والتسفيه.. فلا يعجبه شيء، ولا يزن الأمور، ولا يبالي بقيّم، ولا يهمه أحد. تساءلت مرارا هل وجدنا يوما أن قناة من قنواتنا المحلية أفردت مساحات فضائية وهوائية لموضوعات جدلية وخاصة في بلاد قريبة أو بعيدة "التعليم في المملكة تم مناقشته في قناة عربية، هل سنناقش موضوع التعليم في تلك الدولة عبر قنواتنا.. لا أظن".. وهل استضافت إعلاميين أو شخصيات من تلك البلاد ليجلدوا وينتقصوا وينتقدوا بلدانهم في قضايا تخصهم وحدهم؟ لا أظن أننا سنشاهد برنامجا في قناة تخصنا يتحدث عن عقلية وفكر ومجتمع دولة حولنا.. ولكن غيرنا من وسائل وفضائيات سترونها تقدم العجب وستعدد البرامج التي تبيع وتشتري في قضايانا، وسيجدون من أبنائنا من يستثيرونهم ويجعلونهم ينتقصون من وطنهم ومجتمعهم. المتابع يدرك تماما أن حتى من يعارض أمرا في بلاده لا يقبل الإساءة لمجتمعها، أو المساس بقيمتها، بل سيدافع عنها وسيكون حديثه فيما يخصه.. وحتى الثقافة الإعلامية الغربية لا ولن تسمح بتناول قضايا خاصة ببلدانها، ومجتمعاتها في وسائل غريبة عنها. ختام القول: نحن نعاني إعلاميا وفكريا وثقافيا.. ليس بسبب الوسائل ولكن بسبب بعض العقول التنازلية التي تتعاطى وترحب بالمشاركة في مثل تلك الوسائل، وتسعد بجلد مجتمعها من خلالها.. بل وتفخر بالتعاون معها. الضمير الوطني النقي لن يتيقظ في عقل مأزوم، وقلب محتقن، ولن يستيقظ في جسد مواطن فضائي افتقد الكرامة والمروءة، ولفظ أنفاس العزة والانتماء.. دمت بخير يا وطني.