تتجه الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع إلى ملاحقة القنوات التي تبث الطائفية والعنصرية من خلال حصرها ومعرفة موقع إرسالها، وذلك لمخاطبة الجهات المنظمة للقنوات في البلدان التي تبث منها. وكشف رئيس الهيئة الدكتور رياض بن كمال نجم في تصريحات إلى "الوطن" أن الجهة المسؤولة عن هذه القنوات هي الدول التي تبث من أراضيها وليس الناقل الفضائي. وأضاف "تسعى الهيئة في الفترة المقبلة إلى حصر القنوات الطائفية والعنصرية ومعرفة موقع إرسالها حتى تتم مخاطبة الجهة المنظمة للقنوات في البلاد التي تبث منها، وهذا الموضوع ليس بتلك السهولة ويستغرق وقتا طويلا". رصد التجاوزات وأكد رئيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع أن من أساسيات عمل الهيئة تنظيم المحتوى المرئي والمسموع للقنوات الفضائية التي لها مكاتب تمثيل بالمملكة، حيث إن هناك ضوابط والتزامات تتعهد القناة بعدم تجاوزها، وهذا الأمر يتعلق بالبرامج والأخبار التي تبثها القناة، وإذا رصدت الهيئة أي تجاوز لضوابط المحتوى التي تشمل عدم الدعوة إلى الطائفية أو القبلية أو المناطقية، فتقوم بتطبيق النظام عليها. وبخصوص القنوات التي تبث من الخارج وليس لها مكاتب تمثيل في المملكة، فإنها لا تدخل ضمن المسؤولية القانونية للهيئة، حتى وإن كانت تستقبل داخل المملكة، مضيفا أن الاتصال بمشغلي الأقمار الصناعية العربية لطلب التعامل مع هذه القنوات أمر ليس بهذه السهولة، وبين أن معظم القنوات الطائفية لا توجد على هذه الأقمار وإنما على الأقمار الأوروبية الموجودة في الموقع المداري لقمر "نايل سات". قنوات طائفية كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم العربي عن خطورة الإعلام الطائفي، الذي أخذ يلعب دورا في تأجيج الطائفية بين المسلمين بعد أن سجل حضورا في غفلة من الجهات المختصة في الدول التي اكتوت بنار الطائفية والإرهاب. وفي حين بدأت الأنظار تتجه نحو مشكلة الإعلام الطائفي، ناقش مؤتمر الإعلام في دورته الخامسة بقمة أبو ظبي قبل أسبوعين مستقبل الإعلام في المنطقة والعالم، وتم خلال القمة مناقشة ثلاثة محاور رئيسية تناولت المحتوى الرقمي، توزيع ذلك المحتوى، والتمويل اللازم لتطويره، وذلك بعد الاطلاع على التجارب الغربية وتطويعها لتلائم حاجات المنطقة، وتم طرح الإعلام الطائفي وقنواته على محور طاولة المؤتمر. ورغم تحذير الجهات الرسمية عبر كثير من وسائلها الإعلامية والإلكترونية من الوقوع في إشكالات التطرف والطائفية والتعصب إلا أن كثيرا من القنوات التي تغذي الطائفية لا تزل تبث سمومها في المجتمع العربي مما يستدعي أهمية إيجاد حلول جذرية لاجتثاث هذه الفتنة من جذوها. أقمار "غير محكومة" من جهته، أكد رئيس جمعية المنتجين السعوديين محمد الغامدي أن هناك قنوات طائفية تعمل لمدة 24 ساعة على النيل من المذاهب وتأجج الفتن. وقال "حديثي هنا ليس عن القنوات الطائفية فقط وإنما غيرها كثر، وإذا أردنا أن نوقف مد هذه القنوات لا بد أن نعمل على الحد من جميع القنوات التي تؤجج الطائفية ونار الفتن بين أفراد المجتمع وأطيافه، وحينما نطالب بإيقاف مثل هذه القنوات فينبغي أن توقف جميع القنوات طائفية وغيرها ممن تعمل على تأجيج نار الفتن وقض أركان وحدة الوطن ويقف خلفها كل من يريد قض وحدة الوطن". وقال الغامدي: هناك أقمار عربية مثل "عربسات" محكومة بأنظمة وقواعد وكذلك "نايل سات"، ولكن هناك أقمار تجارية غير محكومة وليست مسؤولة وهناك قمر "يوتلسات" كان يبث من البحرين وتم منعه فيها ونقل لقبرص، إضافة إلى أن هناك من يبث من لندنوتركيا واليونان والهند وروسيا وإيران، مشيرا إلى أنه ليس في المملكة قنوات تبث منها مباشرة، وقد تكون هناك مكاتب لهم بالمملكة، وإذا تجاوزت هذه القنوات المحظور تلقت عقابها من قبل المسؤولين بينما البث والتسجيل يتم عن طريق التلفون، علما أن بث قناة "وصال" كمثال، كان عن طريق الكويت، وتابعت الجهات المختصة كثيرا من هذه القنوات وتم توقيف عدد من العاملين فيها بعد أن أغلقت هذه القنوات. وذهب الغامدي إلى ما ذهب إليه الكثيرون في انتقاد وزارة الثقافة والإعلام لضعف دورها في متابعة مثل هذه الفضائيات، لأن هذه الفضائيات لا تقع تحت سلطة الوزارة. وأشار أيضا إلى أن جامعة الدول العربية ينبغي عليها أن تهتم بهذه القضية، لأن هناك دولا تشجع الإرهاب والطائفية، ولن تتوقف هذه القنوات عن إثارة الفتن والطائفية ما لم يكن هناك تعاون ملموس وتكثيف للجهود للقضاء عليها. 125 فضائية دينية من جهته، وصف الكاتب الصحفي فاضل العماني انتشار القنوات الطائفية ب"الانفجار التسونامي"، وذلك منذ ظهور ما يعرف ب"الربيع العربي" المثير للجدل والأسئلة، وتخصصت هذه القنوات في زيادة منسوب الطائفية والتعصب والتمييز والإقصاء. وأضاف أن الإحصاءات والدراسات التي نشرها الاتحاد العربي للإذاعة والتلفزيون أخيرا تشير إلى أن هناك أكثر من 1000 قناة عربية رسمية وخاصة، من بينها 125 قناة فضائية دينية، غالبيتها تُمارس خطاباً طائفياً مأزوماً، يُحرض على كره الآخر المختلف، ولو في بعض التفاصيل البسيطة جداً. وأضاف "لعل هذا التنامي الكبير في عدد القنوات الفضائية الطائفية، هو انعكاس حقيقي وصدى واقعي لحالة الفرز المذهبي والتجييش الإعلامي والتخندق الطائفي، التي أصبحت تتمظهر وبشكل كبير في مشهدنا العربي الذي تجتاحه رياح التغيير الذي بشر به هذا الربيع العربي". وحول هذه الزيادة المريبة في عدد القنوات الفضائية الطائفية، سواء السنية أو الشيعية، قال العماني "في جولة سريعة بالريموت كنترول، ستكتشف ضحالة الفكر والرؤية والعمل الإعلامي الذي تنطلق منه هذه القنوات الفضائية التي تحاول الاحتماء بالمذهب والطائفة، لأنها أدركت بخبث خطورة وتأثير العزف على وتر الدين والمذهب وحفظ الشريعة والذوذ عن الإسلام، بينما هي في حقيقة الأمر، بعيدة كل البعد عن جوهر العقيدة الإسلامية السمحاء التي تهدف إلى نشر المحبة والإلفة والتسامح". وعن من يمول هذه القنوات، ومن يحركها في الداخل والخارج، وما أهدافها القريبة والبعيدة، وكيف يُسهم المشاهد البسيط في استمرارها، قال العماني "نحتاج إلى إجابات واضحة لفك بعض طلاسم وجود وأهداف وأجندة هذه القنوات الفضائية الطائفية، التي تتسبب في إشعال فتيل الأزمات والفتن بين مختلف المكونات والشرائح المشكلة للمجتمع". وأضاف "نحتاج إلى سن تشريعات صارمة لتجريم هذا الخطاب والسلوك الطائفي الذي تمتهنه هذه القنوات الطائفية، خاصة على الأجيال الشابة التي لا تملك الخبرة والتجربة والمعرفة، مما تسبب في تنشئة جيل عربي مشوه، قُذف به في ساحات الفتنة والقتال ليُمارس القتل والتصفية والوحشية". تحريض وتأليب وعاد الغامدي ليكشف أن هناك دورا خطيرا لبعض الأشخاص الذين يقولون إنهم فريق الإعلام الهادف، ويبثون من تركيا ولهم ويلات أكبر. وقال "إن الحماية لا تتم إلا من خلال مواثيق الشرف الإعلامية، وينبغي أن يتم تفعيل المواثيق، والبث الفضائي لم يعد بالإمكان حجبه، وهناك أقمار عالمية أميركية وأوروبية تبث وليست لها علاقة بالدين، مشيرا إلى أن مركز مكافحة الإرهاب وحوار الأديان الذي اقترحه الملك عبدالله بن عبدالعزيز سيكون حلا لكثير من المشاكل". وأضاف "هناك إحصائية تقول إن هناك 11 ألفا مع داعش من أوروبا، إذا التحريض أصبح سهلا ويصل لكل بيت بسهولة في العالم، وإذا لم يتعاون العالم مع المملكة فلن نعمل شيئا تجاه هذه المشكلة. قنوات شعبية متعصبة من جهتهم، كشف مواطنون أن القنوات الشعبية التي توقد العصبية لها خطورة أيضا، إذ يظهر على الشاشة الفضية عدد من القنوات الفضائية المشبعة بفتيل العصبية القبلية والتعصب حتى الرياضي رغم شعبيتها، وتباينت آراء المجتمع ممن يشاهدون هذه القنوات من خلال طرح عدة نقاط وتساؤلات. يقول المسن مسلط البقمي إن هذه القنوات جيدة ونافعة وتصور المناسبات والأفراح والمحاورات الشعرية والقصائد النبطية التي فيها فائدة ونصائح وتساعد المستمع لها على شؤون الحياة، فيما أبدى تحفظه على ما يدور في أسفل الشاشة أحيانا من مناكفات وكلام متعصب في بعض تلك القنوات مما يزيد من الكراهية والشحناء وأن كل شخص هو الأحق عن غيره. أما عبدالرحمن العتيبي فأكد أن دور الفضائيات في إيقاد التعصب كبير، خاصة عند تركيزها على بعض الأحداث المتعلقة بمهرجانات الإبل ونحوها، مشيرا إلى أن المجتمع بحاجة إلى الوحدة الوطنية أكثر من حاجته إلى مثل هذه القنوات التي أصبحت تمثل القبائل، وأن بعض هذه القنوات أصبحت تحقق من هذا الجدل والتعصب القبلي أرباحاً طائلةً. أما سعودي النفيعي فيرى أن إيجابيات القنوات الشعبية تتفوق على سلبياتها، إذ إنها تتوقف عن تقديم البرامج أثناء الصلوات وتقدم الأدعية والمحاضرات الدينية والإرشادية، كذلك النصح عبر ما تقدمه من برامج في الشعر. وأضاف "من إيجابياتها أيضا أنها تقدم الموروث الشعبي والفلكلور الوطني الذي تتميز به منطقة عن أخرى، وتسهم في معرفة النشء القادم برمزيته وهويته وانتمائه لوطنه وقبيلته". ويخالفه الرأي تركي السبيعي الذي أكد أن هذه القنوات تستغل العامة لبث رسائل في الشريط السفلي للقناة، ولذلك ترى الكثير من المهاترات والتعصب القبلي الواضح. وأضاف "هناك ممن يعملون في تلك القنوات الشعبية تستميلهم العصبية القبلية إلى تقديم بني جلدتهم وإهمال الآخر، في حين أن هذا يزيد التعصب والتفرقة بين أبناء القبيلة الواحدة فضلا عن أبناء الشعب الواحد". ويعتقد السبيعي أن "عرض برامج ومسابقات مثل مزايين الإبل التي تظهر أصحابها ومحبيها يرقصون حول مقتنياتهم فكرة ترسخ للجهل وقصور الفكر، على حد وصفه".