صرح النائب التركي عن حزب العدالة والتنمية (حزب الرئيس رجب طيب أردوغان) رسول طومسون بأنه إذا ما جرى تقسيم، دولي مخطط أو غير مخطط، للعراق وسوريا، فإن تركيا سوف تستولي على مدينة الموصل العراقية، ومدينة حلب السورية. وهذا التصريح بقدر ما هو استفزاز للعرب وللسوريين والعراقيين، إلا أنه ينذر بواقع مرير، أنتجته إيران في البلدين العربيين. وتركيا أحد المستفيدين من صناعة التقسيم الإيرانية، وربما لا يتوقف الأمر عند تقسيم العراقوسوريا فقط. وقد تنتشر عدوى التقسيم أو قل «خطط التقسيم» إلى بلدان عربية أخرى، إذا ما اصبح التقسيم «موضة» ومهمة يوكلها المتآمرون للخلايا العبثية، وإذا استمر العرب في انقساماتهم وخلافاتهم الحزبية والشخصية التكتيكية البائسة، وإذا ما استمرت الجامعة العربية مجرد «مقهى» من الدرجة الثالثة أو، كما تبدو، مقراً خيرياً لتوظيف العجزة. بعض الدول العربية تدعي الإخلاص للهوية العربية والأمة وكرامتها ووحدتها واستقلالها، لكنها، تؤيد بشار الأسد، وتتبنى، قصداً أو غباء، «الدعاية» الإيرانية المنافقة أن الأسد يكافح الإرهاب، والحقيقة أن الأمر الواقع يقول إن تأييد الأسد لسوريا يعني تأييداً لتسليم سوريا إلى طهران. وهنا يصبح لا فرق بين تسليم سوريا لداعش أو تسليمها لطهران، فالأسد الآن، فعلياً ليس رئيساً ولا زعيماً، إنما هو «موظف» لدى طهران فحسب، مثل الحوثيين، يتلقى تعليمات الملالي ويطيع. وأي مسلح افغاني صغير في ميلشيا أبو «الفضل العباس» يملك سلطة في سوريا أكثر مما يملكها الأسد، بل إن طهران نفسها بذكائها الدبلوماسي، لا بد أنها ترى، دون أن تعلن، أن الأسد عبء ثقيل، ولكنها تستخدمه لأنه الوحيد، حتى هذه الساعة، الذي تستخدمه لتضمن استمرار النفوذ الإيراني في بلاد الشام. والمنطق الدبلوماسي الذكي، منذ بدء التاريخ، لا يجد نفعاً في التحالف مع رجل يحكم نظاماً قمعياً فاسداً، أهلك 300 ألف من مواطنيه، وعذب مثل هذا العدد، وشرد الملايين. ولو أن طهران تتمكن من الأمور في سوريا لطيرت الأسد من الغد، وجاءت بشخص «نظيف» من مواليها وأتباعها من الصف الخلفي ليحكم سوريا، ليضمن لها نفوذا لا تشوبه تلوثات الأسد ونظامه وتاريخه. تصريح طومسون استفزاز للعرب وجرح لكرامتهم، لكنه منطقي وواقعي، لأن الاحتلال الأمريكي للعراق، وتسليمه لإيران، هدف إلى إعاقة العراق وإخراجه من الصف العربي، ومنعه من مواجهة إسرائيل إلى الأبد، وهذا لا يتحقق إلا بالهيمنة الإيرانية على العراق، دعك من «هياط» مقاومة اسرائيل. وتحاول إيران الاحتفاظ بالعراق موحداً تحت نفوذها، ولكن إذا لم تتمكن فإن تقسيم العراق هو «الخطة ب». ثم يصبح لتركيا الحق بال«هبر» من الكعكة العراقية بعد أن تتميع الحدود وتذوب وتختفي، خاصة أن الموصل منطقة غنية بالنفط، يسيل لها لعاب كل السياسيين في العالم. وإذا لم تتمكن إيران من الاحتفاظ بسوريا موحدة تحت نفوذها، فإن «الخطة ب» الإيرانية، تهدف إلى تذويب الحدود السورية وتقسيمها ليكون الساحل إيرانياً بأسد بلا صلاحيات أو بالأحرى بلا أسد، وتتقدم تركيا لاحتلال حلب. وسبق أن تحدث مسئولون غربيون أن الشرق الأوسط القديم لم يعد موجوداً. ويقصدون تغيرات محتملة في خريطتي العراقوسوريا، وربما يواصلون «التغيير» في خرائط دول عربية أخرى. وبوجود منظمات مثل «داعش» و«الحوثيين» و«حزب الله» وغيرها، فإن تذويب الحدود وتقسيم الخرائط أصبح سهلاً، فيمكن زرع خلايا من هذه الأنواع أو تأسيس منظمات مشابهة في أي وقت، ثم النفخ فيها، وتكبيرها، ثم تقرر الدول الكبرى أنه لا حل سوى التقسيم. وتستفيد «آلة التقسيم» من «نوم» الجامعة العربية، وخدرها، وحتى مرضها، وربما، يوماً، تجد الدول العربية نفسها أمام طوفان «ربيع» موضة التقسيم. وتر زنبقة الغوطة.. حافية في صقيع الهزيع الأخير وقدماها تغوصان في خضاب الأرض، وحقول استحالت وحولاً، ترنو إلى غيوم تدنو. مبارك المطر، ليغسل وجوه المتعبين والبساتين إذ الأشجار إلى مشانق، وليطفئ الغضب.. ويطهر الأيدي الآثمة.. وسماوات ملبدة بالسموم.