* التوسع الإيراني يلفظ أنفاسه الأخيرة.. والجهاديون السّنّة يخدمون طهران. * تفكك الحكم العلوي صعق الملالي.. والحوثيون لا يستطيعون حكم اليمن. * تدخل السعودية بالبحرين قضى على آمالهم.. و"حزب الله" لم يستطع الانقلاب * توسع طهران مرحلي جاء لانقسام السنّة.. وتطورات داخلية تشتت جهودهم. * تحالف الشيعة العرب مع إيران مؤقت.. والخلافات المرجعية بالنجف كبيرة. * النفوذ الإيراني في شرق آسيا يختنق لقوة الهند وباكستان وغيرهما. بندر الدوشي- سبق- واشنطن: قال موقع "ستراتفور" الأمريكي الاستخبارتي، في تحليل نشره مؤخراً، أن اتحاد العرب في تحالف يهدف محاربة النفوذ الإيراني في المنطقة، تماماً كما يحدث في اليمن، وتوحد جهود الدول الإقليمية في المنطقة للإطاحة بنظام الأسد وغيرها، معطيات أفرزت نتائج سريعة وتحولات كبيرة على الأرض، وضعت إيران وحلفاءها في موقع دفاع، وعطلت مشاريع توسعها، مضيفاً أن هذا الأمر الطبيعي لدولة تتبنى دعم أقلية لفرض هيمنتها على الأكثرية في العالم الإسلامي، والذي لا يمكن تحقيقه سواء منطقياً أو عسكرياً.
الانقسام والضعف! توقع "ستراتفور"، انحسار الصعود الإيراني قريباً في المنطقة، قائلاً: "ليس بالإمكان للتكتل الشيعي بقيادة طهران أن يتشكل ويتوسع، إلا لو كانت الدول العربية السنية منقسمة وضعيفة، وبعض العوامل الأخرى المساعدة لهذا التوسع؛ حيث خلص التقرير إلى أن العديد من العوامل أبرزها الصراع في سوريا والقيود العرقية والدينية والخطوط الحمر لدى الدول السنية مثل السعودية تحول دون تنامي النفوذ الشيعي أكثر مما عليه الآن.
قضايا خلافية وقال الموقع: "يمكن أن نقسّم الصراع الطائفي في الشرق الأوسط إلى وجهين هما السنة والشيعة، أو هكذا يبدو في الواقع، وكما تبين لنا فإن الصراع بين الطائفتين أكثر تعقيداً، فالدول السنية تنقسم على مجموعة من القضايا الخلافية، والشيعة الذين تعزز نفوذهم في السلطة أوائل التسعينيات منذ عام 1990 تعاني من قيود لا مفر منها وهم تحت حقيقة أنهم أقلية في العالم الإسلامي".
ضآلة سكانية وأضاف: "أهم الخصائص التي يتسم بها المعسكر الشيعي أنه يضم جزءاً ضئيلاً من السكان المسلمين؛ حيث يبلغ عدد المسلمين السنة نحو ثلاثة أرباع جميع المسلمين، ووفقاً لدراسة أجريت في عام 2011 أجراها مركز "بيو" للأبحاث، وجد أن أربعة دول فقط لديها أغلبية شيعية: إيرانوأذربيجانوالبحرينوالعراق".
أقلية شيعية وبيّن: "أبرز الدول التي لديها أقلية شيعية هي اليمن والكويت والسعودية وأفغانستان وباكستان وتركيا والإمارات وقطر وسلطنة عمان؛ حيث يشكلون مجموعة طائفية كبيرة في لبنان، أما في الهند فهم يشكلون 20% من أصل 180 مليوناً أو نحو ذلك من المسلمين في الهند".
تقوية النفوذ وتابع: "طهران سعت لدعم المجتمعات الشيعية بعد الثورة الإيرانية، وبالتالي تقوية نفوذها في العالم العربي، ولكن كان توسع نفوذها أمراً صعباً للغاية؛ حيث حاولت إيران الاستفادة من أصولها الأذرية لاستخدام الأغلبية الشيعية في أذربيجان لصالحها، ومع ذلك حتى عام 1991، كانت أذربيجان جزءاً من الاتحاد السوفيتي أي دولة علمانية، كما تم خنق النفوذ الشيعي في بقاع أخرى مثل جنوب آسيا؛ حيث أعاقت الدول القوية مثل الهند وباكستان بالإضافة إلى الحرب الأفغانية جميعها عوامل حدت من التوسع الشرقي الشيعي هناك".
حدود مغلقة وأوضح: "بالنظر إلى الحدود الإيرانية تجد أن شمالها الغربي وشرقها حدود شبه مغلقة في وجهها، وهو الأمر الذي دفع إيران نحو الاتجاه الوحيد أمامها: وهو غرباً باتجاه العالم العربي، واستطاعت طهران إيجاد موطئ قدم لها في العراق عن طريق استغلال العداء بين النظامين في بغداد ودمشق، رغم الحرب العراقيةالإيرانية في أوائل الثمانينيات".
وكيل إيران وقال: "في واقع الأمر أصبحت سوريا الحليف الأول لإيران في وقت سابق، ويرجع الفضل في ذلك إلى سيطرة الحكم العلوي على الأغلبية السنية، وساعد حكام سوريا، إيران على تطوير "حزب الله" وتحويله إلى قوة سياسية وعسكرية ضخمة؛ مما ساهم في توسع النفوذ الشيعي الإقليمي وانتهاء الحرب بين إيرانوالعراق في عام 1989 وهو العام نفسه الذي شهد تسوية الحرب الأهلية اللبنانية، وبهذا أصبح حزب الله -وكيل إيران- أحد أكبر الكيانات السياسية في لبنان".
حرب الخليج وبيّن أن غزو العراق للكويت، واشتعال الحرب في الخليج لأول مرة كانت لصالح إيران؛ لأنها أضعفت الحكومة في بغداد، واستغلت إيران الأقلية العراقية الأكراد والشيعة، والتي طالما دعمتهم إيران لسنوات لإضعاف النظام العراقي، وفي وقت لاحق هزمت الولاياتالمتحدةالأمريكية صدام حسين، وأصبحت العراق تحت قبضة إيران، وهي خطيئة كبرى استغلتها جيداً في تعزيز النفوذ الإيراني من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط.
المد والطموح واستكمل: "لكن سرعان ما توقف المد الشيعي، وإن لم تتوقف طموحات إيران التوسعية استناداً إلى حدودها الغربية الآمنة، رأت طهران فرصة في الربيع العربي للتوسع في شبه الجزيرة العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، وحاولت إيران استغلال الانتفاضة في البحرين، ولكن نجحت السعودية في سحق هذه الانتفاضة، وقضت على آمال إيران في أخذ مكانة بارزة في دول شبه الجزيرة العربية".
ضربة قوية بعد فترة قصيرة، تعرض الطموح الإيراني للتوسع لضربة قوية باشتعال الثورة في سوريا؛ حيث قامت بتوحيد جهودها في سوريا في حين تطورت احتجاجات الربيع العربي هناك إلى حرب أهلية واسعة النطاق.
ولا تزال الحكومة العلوية قائمة، ولكن تفككها نزل كالصاعقة على رأس إيران، فقد تنقطع خطوط إمداد إيران عن حلفائها في "حزب الله" وستترك الشيعة العراقيين عرضة للنظام السني في سوريا. ومن ثم فلن يكون مستغرباً أن تستميت إيران في الدفاع عن النظام السوري بكل ما أوتيت من قوة.
عمر "الأسد" وأشار إلى أن إيران وميليشيات "حزب الله" والميليشيات الشيعية الأخرى ساهمت في إطالة حكم الأسد، والمعارك القائمة ضد تنظيم الدولة وجبهة النصرة منحت إيران وقتاً لإعادة تنظيم صفوفها، فضلاً عن المفاوضات النووية مع الولاياتالمتحدة، وقد دخل السعوديون في حرب على المتمردين الحوثيين في اليمن، وبالرغم من ذلك لن تدوم مزايا إيران وحلفائها إلى أمد بعيد، فقد اكتسبت إيران قوتها إلى حد كبير من ضعف السنّة وعدم ترابطهم، ولكن تنذر التطورات الأخيرة باستعادة السنّة لقوتهم ولو بشكل مؤقت.
مكاسب ثورية وبيّن التحليل الذي نشره الموقع أن الثوار السوريين حققوا مكاسب ميدانية في جزء مهم من سوريا وخاصة في محافظة إدلب، كما تحالفت السعودية وتركيا معا للإطاحة ب"الأسد"؛ حيث لا يزال في لبنان "حزب الله" غير قادر على السيطرة على الحكومة، بالرغم من قوته ونفوذ جماعته المسلحة. وفي اليمن قد يتحول الحوثيون إلى النسخة اليمنية من "حزب الله"، ولكن لن يستطيعوا فرض سيطرتهم خارج نطاق المناطق الزيدية الأساسية، وفي العراق لا يزال تنظيم الدولة قوياً حتى في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة.
يهددون إيران وكشف "ستراتفور المخابراتي" أن الجهاديين يشكّلون خطراً وتهديداً لإيران، ولكنهم بمثابة فرصة لها أيضاً؛ حيث إن الجهاديين يضعفون الجبهة السنية، ويساهمون في قلب الرأي العام الدولي تجاه إيران، ويأمل الإيرانيون أن تغرق المملكة العربية السعودية في مشاكلها، ويرون أن نشاط الحركة الحوثية في اليمن يمكن أن يساهم في اندلاع انتفاضة مماثلة من الإسماعيليين في المحافظات السعودية مثل نجران؛ حيث تزدهر المجموعات الإثنى عشرية في شرق السعودية، وهذا التطور جنباً إلى جنب مع البحرين قد يؤدي إلى إقامة قاعدة مهمة للنفوذ الإيراني في المملكة العربية السعودية، على حد زعم الموقع.
مشاكل طهران وتابع: "توجد العديد من الخطوط الحمراء للسنّة في المنطقة، وسيجد الشيعة أنفسهم محاصرين إذا ما فكروا في التمادي أكثر، بالإضافة إلى الاعتبارات الدينية والعرقية التي تحول دون انتشار الحكم الشيعي، فالقيادة الشيعية اليوم في قبضة الفرس وليس العرب، ولم يتحالف الشيعة العرب مع طهران إلا بدافع الضرورة، وهذا يحد من قدرة إيران على الاعتماد عليهم لخدمة مصالحها".
وواصل: "وعلى الرغم من اتحاد الشيعة في العالم العربي، إلا أنه من الصعب إغفال خلافاتهم، فلا تزال المنافسات قائمة بين المراكز اللاهوتية العراقية لمدرسة النجف التي يهيمن عليها العرب والمدرسة الكائنة في مدينة قم الإيرانية، وقد حاولت طهران مراراً زيادة نفوذها في النجف".
أكثر حدة وقال: "يحاول القادة الإيرانيون أن يستغلوا فراغ السلطة في العراق في نشر مذهبهم لولاية الفقيه، ولكن مع مرور طهران بتغيرات سياسية، والتوترات بين التوجهات الليبرالية والمحافظة، وبين الديمقراطية والثيوقراطية، وصعود الرئيس الإيراني حسن روحاني، وبدء إعادة التأهيل المحلي، أصبحت الأمور أكثر حدة. فقد تشتت تلك التوترات انتباه طهران، مما يلقي بطموحاتها الدولية جانباً والتركيز أكثر على أمورها الداخلية".
الأفول ويخلص التحليل إلى عوامل تساهم في أفول شمس طهران ومحور الممانعة؛ ذلك أن التطورات الجارية داخل طهران قد تحبط طموحاتها الإقليمية، إلى جانب الخلافات الداخلية بين الشيعة وخسائر "الأسد" وميليشيات إيران الداعمة له في سوريا، وهو وضع منطقي لإيران ستجد نفسها فيه قريباً.