يعاني كثير من متابعي نشرات الأخبار هذه الأيام من حالة من الكآبة التي تتسلل إليهم دون استئذان. وتعود هذه الحالة إلى أن معظم الأخبار في عالمنا يصبغها الطابع السلبي مثل الحروب والقتل والدمار والزلازل والكوارث وهذا هو حصرا تعريف الأخبار لدى رؤساء تحرير نشرات الأخبار في فضائياتنا. فعندما يكون الناس سعداء مرتاحين، وعندما لا تحدث مظاهرة في بلد ما ولا اضطرابات سياسية، وعندما تكون الولادات لدى النساء طبيعية، ويكون انتشار الأمراض حول المعدل المقبول، فإن كل ذلك لا يعني شيئا لكاتب نشرة الأخبار. وقد زاد من هذه الحالة التوالد السريع للفضائيات المتخصصة في الأخبار التي حتى عندما تنتهي نشرة الأخبار لديهم ويطل علينا برنامج أقل حدة من أخبار المصائب، فإن شريط الأخبار في أسفل الشاشة، و(العواجل) المتلاحقة تبقى تطارد المشاهد وتشده إلى قراءة ومشاهدة ما يجري في مناطق جغرافية قد لا تعنيه في شيء. ويبدو أن هناك تناسبا عكسيا بين تطور وتقدم الأمم واهتمامها بمتابعة الأحداث السياسية (أو وعيها السياسي). فالدول المستقرة (مثل غالبية الدول الغربية) لا يتعدى اهتمام شعوبها بالأخبار ما يحصل في مدينتهم أو حتى حيهم السكني، ولا يعيرون أي اهتمام لما يجري على ساحتهم الوطنية فضلا عن العالم. فبينما يصبح خبر سقوط هرة في بئر ضيقة هو الخبر الأول في المدينة على قنواتهم المحلية ويحقق أعلى نسبة مشاهدة لديهم، لا يعني لهم أي شيء (نشوب حرب إقليمية خارج حدودهم وسقوط آلاف القتلى وتدمير دول بأكملها). بل إنهم قد لا يعرفون عن أسماء عواصم عالمية هامة، وحتى إن بعض رؤساء الولاياتالمتحدة وقعوا في أخطاء في معلومات جغرافية بديهية عن دول أخرى. ورغم أن الأمريكيين (مثلا) فقدوا آلاف القتلى والجرحى في بلد كالعراق عند تدخلهم إلا أنه وحسب مسح قامت به مؤسسة (روبر) فإن 63 في المئة منهم لا يعرفون موقع العراق الجغرافي، وأن نحو ثلثي المستطلعين من الشعب الأمريكي يعتقدون أن إيران وباكستان هما دولتان عربيتان. ولذلك نرى أن شعوبا لا تعير للسياسة أدنى اهتمام تتصدر قائمة الشعوب الأكثر سعادة، بينما تتذيلها دول منغمسة بشعوبها في السياسة. فهل نبتعد عن السياسة حتى نصبح أكثر سعادة؟ ربما لا يكون هذا هو المقصود، لأن السياسة قد تجلب السعادة إذا ما أحسن توظيفها والاستفادة منها، لأن المشكلة أنه حتى لو ابتعدنا عن السياسة فإن السياسة تأبى إلا أن تكون معنا شئنا أم أبينا، وحتى عندما يموت الناس في بعض البلدان فإن هناك من يلاحقهم لكي يهدم قبورهم!!