ضمن جلسات ندوة «المشاريع التنموية- الواقع والتطلعات»، التي عقدت في الغرفة التجارية بالشرقية مؤخرا، وبالتحديد في جلسة عرض التجارب الناجحة، أرجع الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية بالجبيل، الدكتور مصلح العتيبي، نجاح الهيئة إلى مجموعة من العوامل ذات الآليات المحددة من بينها تطبيق حزمة من الإجراءات الإدارية المُفصلة لتنظيم سير خطوات العمل، باعتبارها المرجعية الأساسية بين الإدارات والأقسام بالهيئة الملكية، ووجود هيكل إداري وفني هرمي يضمن انسيابية ووضوح المسؤوليات والأدوار في القطاعات والإدارات ذات الصلة بالمشاريع، كما أشار الى أن إدارة المشاريع التنموية في الهيئة تتم من خلال تطبيق مفهوم الإدارة الشاملة مما يمكنها من تحقيق الأهداف، وكذلك من خلال اتباع آليات التخطيط الاستراتيجي المتضمنة وضع رؤى بعيدة وترجمتها إلى خطة عامة تمثل المرجع لتخطيط وجدولة المشاريع في خطط العمل الخمسية والسنوية وتحديثها لمواكبة التغيرات، وهذه كلها لا شك عوامل مهمة جدا أوصلت الهيئة إلى التميز إلا أن مبدأ (التخطيط يقود الميزانية) الذي أشار إليه خلال حديثه الشيق المفعم بالتجربة هو عبارة طالما اعتدت سماعها قولا، ورأيتها ممارسة طوال حياتي الوظيفية الثلاثينية في مشروع الهيئة الملكية بالجبيل وهي في نظري المتواضع المسبب الاكبر الذي أوصل مخرجات التنمية في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين ورأس الخير إلى ما هي عليه من مستوى متميز، إذ إن ما يجري في بيئات العمل في بعض قطاعات العمل الحكومي هو أمر مغاير لهذا المبدأ القويم؛ إذ تعتمد بعض الميزانيات بمسميات مشاريع جوفاء ليس فيها إلا اسمها وموقعها الجغرافي, وتعتمد بقيم لا تلامس الواقع بصلة لتبدأ مرحلة الدراسات والتخطيط وطلب التعزيز المالي بعد ذلك, مما يؤدي إلى تأخير انجاز المشاريع المعتمدة لسنوات، وطول ترقب المواطنين لها رغم الإعلان عنها، وبطء عجلة التنمية وضياع الوقت والجهد، والسبب الرئيسي لكل ذلك أن مشروع الميزانية المرفوع للجهات ذات العلاقة لم يستند إلى دراسة فنية ولا إلى تخطيط مسبق. إن التخطيط لأفكار المشاريع وإعداد خطط العمل لمنظومتها المتكاملة يجب أن يكون هو البذرة الأولى في مراحل الإعداد للمشاريع تمهيدا لإعداد التقديرات واعتمادها في الميزانيات, ويقع على عاتق إدارة التخطيط والميزانية، والإدارات الفنية المشرفة على المشاريع إعداد خطط العمل التي تقود الى اعتماد الميزانيات وليس العكس. تبدأ عملية التخطيط للمشروع بتحديد نطاق العمل (SCOPE)، والذي يوضح الغرض من المشروع وهدفه ومكوناته وحدوده الجغرافية ومتطلباته العامة من مبان ومرافق وتجميعات العقود (Packaging)، وكميات الخدمات والمنافع المطلوبة، كما يتطلب إعداد جداول التنفيذ والمدد المقررة لانجاز الأعمال المختلفة ومتطلبات الأيدي العاملة ويتم إعداد التكاليف التقديرية (Order Of Magnitude) من قبل المكاتب الاستشارية المصممة للمشروع ويتم تدقيقها من قبل مهندسي التكاليف في الجهة المشرفة إذ يتم تقدير قيم المشاريع على مستوى المشروع, ومن ثم قيم المشاريع المكملة وفي عقود أخرى, ثم على مستوى القطاع لنوع المشروع ليتم الدمج بعد ذلك في تقرير متكامل يوضح استشراف المشاريع المستقبلية المكملة لها والمنظورة خلال خمس سنوات مقبلة أو أكثر كما يحصل مثلا في عقود المشاريع المكملة لبعضها البعض مثل إعدادات وتطوير الموقع Prep.&SITE DEV. Site ثم تشجيرها وإنارتها، وبناء المرافق العامة وتشمل هذه الخطةجداول التنفيذ والمراحل الجوهرية (MILESTONES) كتواريخ الانتهاء من التصاميم، وتواريخ الترسية، والبدء بالإنشاء، والهيكل الإنشائي والأنظمة الميكانيكية والكهربائية والتشطيبات وخلافها واستلام المشروع، كما تشمل الهياكل التنظيمية الإدارية والفنية اللازمة لتنفيذ المشروع، ومن ثم يتم اعتماد خطة العمل وقائمة المشاريع (WORK LIST) المتضمنة لنطاقات العمل والجداول والتكاليف التقديرية، وتوضع في مجلد متكامل مقسم حسب قطاعات العمل المختلفة كقطاع الطرق, والسفلتة، والإنارة, ودرء أخطار السيول، وتنمية وتطوير المواقع, والحدائق والمتنزهات، والأسواق والمباني، وصحة البيئة، والمرافق العامة، ونزع الملكيات وهكذا, وترفع بعد المصادقة عليها داخليا للإدراج في القائمة والاعتماد المالي, وبذا تكون الاعتمادات المالية للميزانية مستندة إلى معطيات علمية دقيقة عن المشروعات والفائدة منها والقيم التقديرية لها وتواريخ الترسية والبدء والاستلام، ويحكم خطوات متابعة المشاريع إجراء البوابات أو ما يسمى (Gate Process) حيث تحدد مراحل المشروع المختلفة والشخص المسؤول عن كل مرحلة ويسمى البواب (Gate Keeper) وهو المسؤول من القطاع المعني عن مرحلة معينة لتفادي التداخلات وتقاذف المسؤوليات، ولا يمكن تجاوز هذه المرحلة الى مرحلة أخرى إلا بامضائه، وهكذا حتى اكتمال المراحل وبذا يتكامل التخطيط الفني والإداري والمالي وفق جداول زمنية محددة ويتم متابعة سير هذه المشاريع باستخدام أساليب علمية ممنهجة، ويصبح التخطيط لا يسبق الميزانية وحسب بل يقودها، وصانع للنجاح. احد المشاريع التنموية