عام آخر يأتي ليس لديّ من أمرٍ جديدٍ أسألكَ إيّاه أيها المستقبلُ، يا جنةَ الفقراءِ. فأنا ما زلتُ أرتدي الأشياءَ ذاتَها. مازلتُ أتسولُ السؤالَ ذاتَه تحتَ الضوءِ ذاتهِ، ملتهمًا الحجرَ ذاتَه، وعقاربُ الساعةِ لا تزالُ تقرعُ دون أن تدخل.
ما لم يُكتب بعد في داخلِ قلمِ الرصاصِ هذا تتحفزُ كلماتٌ لم تُكتبْ بعدُ ولم تُنطقْ بعدُ ولم يتعلّمها أحدٌ بعدُ إنها تختبئُ مستيقظةً هناكَ معتمةً في العتمةِ تستمعُ إلينا غير راغبةٍ في الخروجِ ليس لأجلِ الحبِّ ولا لأجلِ الوقتِ ولا لأجلِ النارِ حتى حين يتقهقرُ الليلُ تبقى هناكَ مختبئةً في الهواءِ لربّما عبرتْ بها أيامٌ لا تُحصى متنفسةً إيّاها دون أن يتغيّر فيها شيءٌ أيُّ نصٍّ لا تستطيعُ الكشفَ عنه في أي لغةٍ سأتعرفُ عليها وأتمكّنُ من اقتفاءِ أثرها لأكتشفَ الأسماءَ الحقيقيةَ لكلِّ شيءٍ ربما لا يكونُ هناكَ الكثيرُ منها ربما لا يكونُ هناك سوى كلمةٍ واحدةٍ وهي كل ما نحتاجُه إنها هنا في قلمِ الرصاصِ هذا كلُّ قلمِ رصاصٍ في العالمِ يشبُه هذا القلم
البحث عن معلم في الغابةِ صادفتُ صديقًا قديمًا وهو يصطادُ السمكَ وطرحتُ عليه سؤالًا فقال لي انتظرْ الأسماكُ كانتْ تتقافزُ في النبعِ الغزيرِ ولكنَّ صنارته لم تكن تتحركُ غير أنني انتظرتُ كان سؤالًا عن الشمسِ عن عينيّ الاثنتينِ عن أذنيّ وفمي وقلبي والأرضِ بفصولها الأربعةِ عن قدميّ حيثُ كنتُ أقفُ حيثُ كنتُ ذاهبًا انزلقَ من يدي كما لو كان ماءً صوبَ النهرِ سالَ تحتَ الأشجارِ وغاصَ تحتَ هياكلِ سفنٍ بعيدةٍ ومضى بدوني وبعد ذلك حلَّ المساءُ حيثُ كنتُ أقفُ لم أعدْ أعرفُ عمّا أسألُ بدا من الواضحِ أن صنارته بلا خطّافٍ وأدركتُ أن عليّ أن أبقى وأتناولَ الطعامَ معه
عن الشعر إنني لا أفهمُ العالمَ يا أبتاه. ثمةَ عندَ الطاحونةِ في نهايةِ الحديقةِ رجلٌ يحدودبُ مصغيًا لصوتِ العجلةِ الدائرةِ في النبعِ، غيرَ أنه ما من عجلةٍ هنالك تدورُ. إنه يقعدُ في نهايةِ مارس، ولكنه يقعدُ أيضًا في نهايةِ الحديقةِ؛ يداهُ في جيوبهِ. ولا يبدو أنه يترقبُ حدوثَ شيءٍ ما، أو أنه يصغي للأمس. إنها عجلةٌ تدورُ. حين أتحدثُ، يا أبتاهُ، فالعالمُ هو ما يتوجبُ علي ذكرهُ. إنه لا يحرّكُ قدميهِ ولا يرفعُ رأسَهُ خشيةَ أن يعكّرَ صفوَ الصوتِ الذي يسمعُهُ مثل ألمٍ بدون صراخٍ، حيثُ يُصغي مليًّا. لا أظنُّ أنني مولعٌ، يا أبتاهُ، بالطريقةِ التي قبل أن يصغي دائمًا يُعِدُّ نفسَهُ عبرَ الإصغاءِ. إنه لأمرٌ غيرُ متكافئٍ، يا أبتاهُ، مثل السببِ الذي لأجلهِ تدورُ العجلةُ، رغمَ أنه لا وجودَ للعجلةِ. إنني أتحدّثُ عنه، يا أبتاهُ، لأنه هناك بيديهِ المدسوستينِ في جيوبهِ، في نهايةِ الحديقةِ يستمعُ لدورانِ العجلةِ التي ليستْ هناك، لكنَّ العالمَ، يا أبتاهُ، هو ما لا أستطيعُ فهمَهُ.
مكان في اليومِ الأخيرِ للحياةِ على الأرضِ أريدُ أن أغرسَ شجرةً لأي شيءٍ ليس لأجل ثمرها فالشجرةُ التي تحملُ الثمرَ ليست هي الشجرةُ التي تم غرسُها ما أريدُه هو الشجرةُ التي تنتصبُ في الترابِ للمرةِ الأولى والشمسُ قد غربتْ للتو والماءُ ينحني ليمسَّ جذوره في الأرضِ المزدحمةِ بالموتى والغيومُ تعبرُ واحدةً إثر أخرى فوق أوراق الشجر
معاصر ماذا لو أنني جئتُ الآن من خللِ هذه الغيومِ الداكنةِ التي تتحشّدُ قبالةَ الجبلِ يومًا بعد يومٍ دون أن تحملَ المطرَ وعشتُ كورقةٍ من العشبِ في حديقةٍ في الجنوبِ حين تتفرّقُ الغيومُ في الشتاءِ منذ البدءِ سأكونُ أكبرَ عمرًا من كلِّ الحيواناتِ وإلى آخر اللحظاتِ سأكونُ أكثرَ بساطةً الثلجُ سيشكّلني والندى سيختفي فوقي الشمسُ ستشرقُ متخللةً إيايَ سأكونُ أخضرَ ذا جذورٍ بيضاءَ أحسُّ بالدودِ يمسُّ قدميَّ مثل هبةٍ سخيةٍ لن يكون لي اسمٌ ولن أعرفَ الخوفَ سأولّي وجهيَ جهةَ الضوءِ دون تكلّفٍ وأعرفُ كيف أزجي النهارَ والليلَ متسلقًا ذاتيَ إلى خارجها طوالَ حياتي
برغوث يحمل الكلمات برغوثٌ يحملُ كيسًا من الأمراض ويقولُ وهو يمضي في سبيله لم أصنعْ هذه الأمراضَ بنفسي فنحنُ لا نتمتعُ بالمواهبِ ذاتها البدايةُ ليستْ كلَّ شيءٍ إنني لا أعرفُ من صنعَها حتى ولا أعرفُ من سيستخدمُها أنا شخصيًا لا أستخدمها بل أقومُ فقط بما هو أمامي كما يُفترضُ بي أحملُها ولا أحدَ يحبني لا أحدَ يريدُ أن يستبدلَ الأماكنَ معي ولكنني لا آبهُ بذلكَ بل أمضي في سبيلي بكيسي وكل يحتويه ثمة شيءٌ ما يحتاجني الأشياءُ كلها تحتاجني أحتاج إلى نفسي والنارُ هي أبي ويليام ستانلي ميروين (1927م) يعد من أهم الشعراء الأمريكان في النصف الثاني من القرن العشرين. نشر أكثر من ثلاثين كتابًا في الشعر والنثر والترجمة، وفاز بأهم الجوائز والألقاب التي تمنح للشعراء في الولاياتالمتحدةالأمريكية. الثيمة الأبرز لشعره هي انفصال الإنسان عن الطبيعة. وقد عرف عنه اهتمامه الفعلي والعملي بالمحافظة على الطبيعة والإسهام في استرداد وإحياء ما دمر منها، وهو أحد المؤيدين لحركة الأيكلوجيا العميقة المناصرة لقضايا البيئة.