نصوصٌ تُنشر أسبوعياً، من «يوميات بيت هاينريش بول» التي كتبها الشاعر أثناء إقامته الأدبية، بمنحة من مؤسسة «هاينريش بول» في ألمانيا. ليلٌ في سرادقٍ يتماثل أسماءُ النسيان ما الذي يعتقدُ الجبلُ وهو سادرٌ هناك يُطلقُ المكتشفون الأسماءَ عليه وينجرفون في كتيبة الحجَر أسماءٌ هامدة تقتل أصحابَها وتَحْرِفُ الجبلَ عن شريعة الناس. سألتُ كي أكتبَ اسماً يُنسى كتبتُ كي أنسى. فليس للجبل مَنْ يؤاخيه في الأعالي وما من أحدٍ ينتظره في السفوح هنا غابةٌ تَحجبُ الهيمنة وتصدُّ السطوة وتذودُ عن لاجئيْ بيت الغابة. فليعتقد الجبلُ بوهمه ويدعنا في أحلامنا. أين كنتَ؟ أين كنتَ عندما طافَ الخزافون بأوعية الزيت حول بيتك وأخذوا يغرسون شموعَ العسل بشُعلها المنداحة بهواءٍ ناعسٍ في ذاكرة الجدران وتلافيف الحديقة وأسدلوا الصمتَ ليحجبَ شمس القرية ريفٌ من نساءٍ يسعينَ بهمَّة حالبات الأبقار يُشذَّبنَ ما نَشَزَ من أطراف الغابة في الطريق من بحيرة الوادي حتى البوابة الحجرية ذات القوس النحيل فوق البيت. أين كنتَ وقتَ كانت الشمسُ تهبطُ متسارعةً كما لو أن طفلاً أسقطها من طاولة الأرض أجلَ أن يبدأ الحفلُ باكراً فيطفقُ الرجالُ في كَرعِ الكؤوسَ مترعةً بالطائش الذهبيّ وتحجلُ النساءَ بالرقص على وقع طاسات النحاس يرنّها الساقي وهو يَطرُقُ قِدرَ الفطرِ المنقوعِ في مزيجِ الهندباء بالزيت والزنجبيل. أين كنتَ حين تدافعتْ الجموعُ نحو داركَ لكي ينهبوكَ من أحضان السيدة «ماري» لمشاركتهم الأنخابَ قبيلَ أن تُكملَ كتابكَ الأخير فطافوا غُرفَ البيت والممرات الغامضة وتحسَّسُوا الحجرَ وأخشابَ السقف يسردون التعاويذَ بين أشجار الشهوة لكي تطلع لهم مثل ناسكٍ منسيّ. لو كنتَ لكي لا يروّعوا السيدة «ماري» في طمأنينتها منهمكةً في ترتيب الكتب وتصنيف الأوراق وملء المحابر في زوايا طاولات مختلفة الأحجام في أنحاء البيت. جُنَّ العسكرُ وهُمْ يبحثونَ في تلك الليلة العاصفة فهل ستتركُ الغزاةَ يُصابونَ بالجنون لفرط قدرتك على التخفي متماهٍ في أشياء الكون. أين كنتَ أيها السيد المبجل في سهرة العسل والتهوّر الشامل الذي عكفَ على تنظيمه الكهولُ والفتيات ذوات الخبرة في القرى المجاورة تكريماً لكاتبهم العائد من رحلته الجهنمية. لو كنتَ هناكَ يا سيد «هاينريش بول» لأدركَ الأطفالُ مستقبلهم الوشيك من خلال الحكايا التي ترويها لهم بعد الانتهاء من الطعام فيما ينسربون في النوم وهم يصغون لمبالغاتك الأليفة المستحبَّة عن الحروب وشظاياها التي لا تزال تحزمُ ذاكرتك بدفاترَ تتكفَّلُ بالأحياء بعد أن أتتْ على غيرهم. أين كنتَ في الحرب .. وبعدها. تأويلُ الشجر لماذا كلما فسَّرتُ الأغصانَ بكتِ الشجرةُ وامتنعَ الثمرُ عن الموسم لماذا ينبغي، بعد كل كتابةٍ، التضرّعُ لشجرة الجنزبيل لئلا تغوي أكبادَ السناجب لماذا كلما استيقظ كاتبٌ في حقلٍ طفقتِ الشجرةُ في النوم. لا أملك علّة هذا الليلِ الغامض.. … من غير عذرٍ ولا ذريعة. أخبارُ الطبيعة تنقلُ الطبيعة أخبارَها في الصباح في حنان الريش ثمة تفاحةٌ تدلَّتْ ملوّنةً باللوعة في الغصن الصغير من الانتظار تعال انظرْ إلى ثلجٍ يمنحُ التفاحةَ خداً والشجرةَ ثقة والحديقةَ مزيداً من الاتزان تستقبلني الطبيعة بأخبارها في الصباح خارجاً من أحلامٍ مغدورة غير مكترثٍ بحديقةٍ تنقُضُ حكمة النهر. السُّرادق … أما الليل فهو شمسٌ تَحْرُنُ في فرسِ الحظيرة ليلٌ هو السُّرادقُ العظيم يصحُّ لك الإمساكُ بِصَمْتِه لفرط الهدوء لكأنه ليلٌ غير موجود لا تتركِ النافذة مواربة سوف يدخل في هيئة غيمة ويحجب النومَ عن أحلامك هذا هو الليل يمنحك الوحدةَ كاملةً يقفُ بجانب قلبك دونَ أنْ يتماثل أو يتراءى أو يكون.