إن ما يميز الفكر الإداري الإسلامي عن غيره استناده الى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وما تحمله من ثوابت، وحسن الربط بين الدين والدنيا، وتأكيده على أهمية العمل وتجويده في حياة المسلم وفقاً لأعلى المعايير وتلبية لتعاليم ديننا الحنيف بإتقان العمل وجودته وتحقيقاً لأعلى درجات العلاقة مع الله - جل وعلا - وهي الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك التي لو وضعها كل واحد منا نصب عينيه لما احتاج إلى من يراقبه أو يشرف عليه إلاّ من باب تطلعه الذاتي إلى أعلى درجات الإتقان. وقد تأسست المملكة العربية السعودية على هذه المبادئ الإسلامية خالصة منذ أن وضع أولى لبناتها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - واستمر جميع أبنائه البررة من بعده على هذا النهج. ومن هذا المنطلق أصبحت الجودة منهج حياة بما تحمله من مبادئ ومنهجيات تنبع في الأساس من مبادئ ورؤى إسلامية أصيلة. فالدعوة إلى إتقان العمل وتجويده في كافة مجالات الحياة المختلفة واجب ديني ومطلب مهم لعمارة الأرض وهدف لكل مواطن مخلص وغيور على بلاده مهبط الوحي وموطن الحرمين الشريفين بأن تكون في مصاف الدول الأكثر تقدماً. ولا شك في أن المؤسسات التعليمية هي الأكثر حاجة وضرورة لتسريع استجابتها للتغيير والتجديد نتيجة التحديات والمستجدات السريعة والمتلاحقة التي تواجهها، ما يجعل التميز غايتها ونبضها اليومي الذي لا يتوقف عن الحركة للجديد والتجويد والتحسين المستمر في كل نشاط وعملية في نظام العمل بدءاً من التركيز على الطلاب والطالبات كمركز للعملية التربوية والتعليمية إلى المعلمين والمعلمات الملهمين والقيادة وبيئة التعلم والتعليم الجاذبة والمشوقة، إلى العلاقة المفتوحة والمستمرة مع الاسرة والمجتمع المحلي وغيرها من العمليات المساندة الأخرى. فالجودة والتميز في التعليم ليس نتاج صدفة، بل نتيجة تخطيط وإبداع وتطبيق متميز ومتابعة مستمرة، والتعليم النوعي ثروة الوطن الأولى، والأداة الرئيسة للتحول إلى مجتمع المعرفة، وهو الركيزة الأساسية في تقدم الأمم وازدهارها. "إن التعليم في السعودية هو الركيزة التي نحقق بها تطلعات شعبنا نحو التقدم والرقي في العلوم والمعارف" رؤية مستقبلية مشرقة رسمها قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - لبناء المواطن السعودي الذي يواكب متطلبات العصر بكفاءة واقتدار ويسهم في تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية بأن تكون بمنتجاتها وخدماتها معياراً عالمياً للجودة والإتقان في عام 1444ه بإذن الله . وقد حرصت وزارة التعليم بقيادة وزيرها معالي الدكتور عزام الدخيل على ترجمة توجهات قيادتنا الرشيدة - حفظها الله - في الارتقاء المستمر بجودة الأداء والإنجاز من خلال تبني العديد من المبادرات النوعية التي كان ولازال لها الأثر الملموس في إحداث حراك إيجابي في منظومة التعليم. ولكون التعليم قطاعاً متجدداً وسريع التأثر والتأثير بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية وغيرها، يتطلب الأمر من كافة المعنيين بالعملية التربوية والتعليمية تبني نظام الجودة وجعله عنواناً رئيساً لكافة المهام المنوطة بهم والتركيز على أفضل الممارسات داخل المصانع التربوية (الفصول الدراسية) باعتبارها أقرب نقطة للمخرجات التربوية (الطلاب والطالبات). إن الجودة في التعليم لا يمكن أن تتحقق في ظل استخدام أساليب تقليدية قد تكون حققت نجاحات في الماضي، بل يجب علينا جميعاً أن نستوعب التغير والتطوير ونتقبله ونعمل على إدخاله استجابة لقول الحق سبحانه وتعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". والحقيقة أن جودة التعليم يمكن أن تتحقق عندما نرى لها أثراً ووجوداً محسوساً وملموساً على سلوك الطالب وتفاعله الإيجابي بما يعود عليه وعلى أسرته ومجتمعه ووطنه بالنفع والفائدة. هذه النتيجة تتطلب نظاماً شاملاً وليس جزئياً للجودة يقودها فكر نوعي متجدد يستشرف المستقبل وينظر في كل لحظة أن هناك طرائق وأساليب أفضل لأداء العمل ينبغي دوماً البحث عنها. فالجودة لكي تصبح ثقافة فسلوكا فممارسة وتطبيقا تتطلب قيادة نوعية تلهم فريق العمل بالبحث والتطوير المستمر نحو الأداء المتميز وصولاً لإنجاز متميز. وخلاصة القول: إن قيادة الجودة بحاجة إلى جودة أداء ليتحقق التميز وفق معايير العالم الأول. والسؤال الأهم : هل الجودة بالفعل ضرورة أم ترف ؟؟.