منذ فترة ليست بعيدة، ترى موسكو أنه لا حل سياسيا في سوريا دون مشاركة الاسد، وان لا محاربة ناجحة للارهاب دون اشراك الجيش السوري، وان الحديث عن خروج الاسد سابق لأونه، هذا الخطاب هو ذات الخطاب الايراني الرسمي، لكن ايران تمتاز بذكاء وخبث يهودي، فهي عمليا تسيطر على سوريا، ولها قوات وتنظيمات وميليشيات تعمل على الارض، وهي تعمل منذ مدة طويلة على بناء دولة الساحل العلوي كحل نهائي، ان لم تكن هناك حلول أخرى. الملفت للانتباه ان الايرانيين، رغم سيطرتهم وتكوينهم لقوة ميليشيا في المناطق الساحلية، وفي عمليات التجريف الديموغرافي للمناطق السنية، يعرفون بأن الاسد رئيس شكلي الآن، وان الواقع السوري أصبح مختلفا، وانهم عقدوا صفقة تفاهم مع الادارة الامريكية حول دورهم في سوريا، وتفتيت سوريا من الناحية العملية، وسيطرتهم على الساحل تعني سيطرة على بوابة ومفتاح سوريا، والسيطرة على النفط والغاز، وخنق أي دولة أخرى على الارض السورية، وتعني تكاملا مع حزب الله. الاسد استطاع الحصول على معلومات تؤكد مناقشة الطرف الامريكي والايراني امكانية الاستغناء عن الاسد، مع بقاء السيطرة الايرانية على الساحل واطلاق يد ايران في سوريا ضمن عملية محا2صصة كما جرى في العراق، مقابل اخراج الوجود الروسي من اللاذقية، وتحويل وجهة العسكرية السورية نحو واشنطن. الاستعجال الروسي في محاولة اقناع دول العالم والمنطقة بضرورة الحرب على الارهاب ليست حقيقة، فالكل وبما فيهم اصدقاؤنا الروس منخرطون في لعبة الارهاب في العراقوسوريا، فهم لا يختلفون عن الانخراط الايراني والامريكي، لهم عيونهم ومجاهدوهم، فالمخططات البعيدة استنزافية ولكن على الارض السورية ووقودها الشعب السوري. الروس لديهم عقدة قديمة جديدة تتمثل في حرمانهم من المياه الدافئة في البحر المتوسط، ولديهم عقدة من انهم فقدوا بعضا من نقاط وجودهم في الشرق الاوسط بسقوط صدام حسين ونظام القذافي، وان الغرب لا يبحث عن تطور المجتمع الليبي والعراقي قدر بحثه عن مصالحه، وان الناتو قبل ان يطلق قذيفة ناحية ليبيا اتفق على توزيع الثروة الليبية عبر محاصصة معروفة، وان فقدان سوريا سيكون صعبا على مستقبل روسيا. ولكن ما الذي تغير فجأة لتتدخل روسيا عسكريا في سوريا؟ بعض المعلومات السطحية تؤكد ان الامريكان عقدوا صفقة مع الروس، يحافظون فيها على الاسد، مقابل تدخلهم في الحرب على الارهاب، وفي ظني ان الروس ابتلعوا الطعم الامريكي هذه المرة، وان حربهم على الارهاب ستطول كثيرا، وقد تصل الى درجة التدخل البري، وسيؤدي ذلك الى ثلاث حقائق رئيسية وهي: اولا لن يتم القضاء على الارهاب، بل ستزداد وتيرته وسيصل الى موسكو مع اول صدام مباشر، وثانيا لن يبقى الاسد رئيسا لسوريا؛ لأن ذلك سيوحد المعارضة السياسية والعسكرية، وثالثا لن تبقى لروسيا سلطة على الساحل السوري، وسيعود الجيش الروسي ذليلا الى موسكو. حاول الامريكان اظهار حالة من القلق حيال التدخل الروسي في سوريا، والملاحظ حول التعبيرات الامريكية يكتشف ان الامريكان يؤكدون القول إن غريمهم الروسي قد دخل في الشباك، وان الدبلوماسية الروسية التي كانت حذرة دائما وقعت في الفخ المنصوب لها في سوريا، فقد تم توريطها، كي تظهر موسكو وكأنها تحاول ان تؤكد مكانتها الدولية من خلال استعراضات القوة في سوريا بعد اوكرانيا. لقد استطاعت الدبلوماسية الايرانية الحاذقة اقناع واغراء الروس بأن الادارة الامريكية الحالية ضعيفة، وانها ليست بصدد اتخاذ قرارات تدخل عسكري خارجي، وان قوة امريكا في تراجع، وان علينا ملء فراغ القوة الناشئ واختبار ذلك في مواقع كثيرة، هذه الفكرة تسيطر على ذهنية راسمي السياسة الروسية، خاصة وان الارث السوفيتي يساعد على هذه التصورات غير الواقعية، لجهة القوة الامريكية وليس لجهة ادوات القوة الامريكية وتفاهماتها الاقليمية والدولية. ولكن ما لا يعلمه الروس ان جميع من اجتمعوا معهم من قادة ومعارضة ليس لهم ادوات قوة على الارض، غير ايران وادواتها، والتنظيمات الارهابية المتطرفة، والمعارضة العسكرية السورية التي يمثلها جيش الفتح، ومكونات الاخوان العسكرية، وان تبدل المواقف في الميدان العسكري متوقع جدا، كأن يتحالف جيش الفتح مع النصرة والجيش الحر، وربما مع داعش هذه المرة لاسقاط الاسد، فالحرب الروسية على الارهاب تشملهم جميعا هذه المرة ولا مجال اماهم سوى التفاهم والتنسيق. الاسد سيكون في أفضل حالاته الآن، فهو مدرك بأن وضعه صعب واكثر من السابق، وانه غدا في ظل السيطرة الايرانية بلا سلطة، وان الايرانيين لا يؤمن جانبهم عندما يحققون مصالحهم، وانه استطاع ان يجتذب القوة والدعم الروسي عمليا في سوريا، فهو لم يخسر شيئا، بل ان وجود قوى لها مصالح مختلفة (روسياوايران) تعمل في الدفاع عنه مسألة ايجابية، كما ان التعارض بينهما يعني افشال اية مخططات لعقد صفقات على حسابه. ولهذا فتوقيع الرئيس السوري على اتفاقية دفاعية مع الروس مسألة شكلية لكي توضح للامريكانوالايرانيين ان الاسد ما زال رئيسا بصلاحيات، وشملت الاتفاقية قاعدة جوية في مطار جبلة تمتلك فيها روسيا حرية الحركة دون استئذان مسبق، واتفاقية التنقيب عن النفط والغاز، وهي محاولة لذر الرماد في العيون الايرانية قبل الامريكية، وحق الروس باستخدام الاراضي السورية لوضع صواريخ استراتيجية، اضافة الى شراء الاسلحة من روسيا. المعارك القادمة في سوريا سوف تكون أقوى تدميرا من السابق، وسوف يفقد الروس ضحايا كثراً في سوريا، وعمليات ارهابية اكثر داخل روسيا هذه المرة، ولن ينتهي الارهاب الذي سيجد دعما دوليا هذه المرة، فالحرب الدولية طيلة السنوات السابقة لم تنه داعش، ولا جبهة النصرة، وقوات الاسد لم تستعد مناطق فقدتها، إلا بدعم ايراني مباشر، وعليه: لنرَ كيف ستتعقد الامور، وفي بعض العقد يكمن الحل.