المقطع الذي انتشر في المواقع الاجتماعية لوكيل أمانة إحدى المحافظات وهو يطرد مواطنا يراجع معاملة له، من السوء الى الدرجة التي لم يكن ليرقى فيها للتداول لو تعاملنا بوعي مع المشكلات التي تحدث في مواقع العمل العام، واختيار وتنقيح ما يفترض أن يكون قابلا للنشر من غيره. ولست ضد المبدأ وإنما بقليل من الانضباط لأننا في عالم مفتوح يقرأنا ويتصفح وقائعنا ويحلل ويتابع ويراقب ويرصد. في حال ثبوت صحة التسجيل، وأشكك من قبيل الأمانة المهنية، فإن هذا المسؤول قدّم صورة سيئة للغاية لنموذج الموظف العام. فهذا النوع من العمل خاصة مع اكتساب الخبرات والمرور في مسيرة طويلة من التجارب يتطلب صبرا واحتفاظا لا تفريط فيه بهيبة الوظيفة العامة ومسؤولياتها، والأهم من ذلك هيبة الدولة والخدمة المدنية، لأن كل ذلك منتهاه في خدمة المواطن، وإذا عجز المسؤول عن تلك الخدمة أو شعر بأنها تنتقص من تصوراته لنفسه وذاته عليه أن يكون شجاعا وينسحب منها بالاستقالة والبحث عن وظيفة أخرى. ذلك لا يعني أن المواطن لا يلام، فهناك مراجعون ربما لا يحسنون طلب الخدمة، أو يظهرون سوء تقدير للموظف، أو قفزا على التسلسل الإجرائي لإنهاء معاملته، وفي كل الأحوال تترتب عليه أيضا مسؤوليات في أن يكون أكثر تهذيبا، ظاهريا بالحضور الى مؤسسات الدولة بمظهر جيد، وداخليا بإظهار سلوك يبرز نوعا من التقدير والاحترام للموظفين الذين يمثلون الدولة وهم يخدمونهم، فهم لا يعملون لدى هؤلاء المواطنين المراجعين وإنما للدولة، لذلك هناك خلط مخل في النظر الى الموظفين وكأنهم تحت رحمة المراجعين وذلك غير صحيح. سلوك الموظف المسؤول في المقطع غير مقبول تماما، وفي حال التحقق من ذلك فلا نتوقع أن تكون النتائج متسامحة مع هذا التصرف، لأن المواطن مهما فعل فلا يحق معاملته بهذه الصورة المهينة والعدائية، وإنما إحالة الموقف كله لأي جهة مسؤولة. فمجرد التلفظ يعتبر حدا أدنى لامتهان موظف عام وذلك أمر أعتقد أنه منصوص عليه بعقوبات تحفظ لموظف الدولة هيبته وتحميه من أي تصرفات عدائية، وبعضهم قد يستغل سلطاته وصلاحياته في تهذيب مراجع يسيء السلوك بممارسة بيروقراطية عليه تؤخره وتعطله كنوع من العقاب المعنوي وإن ترتبت عليه أضرار مادية وزمنية. أعود لمسألة النشر العشوائي لكل ما يتم تسجيله أو تصويره للبث في موقع الشبكات الاجتماعية، وفي مقدمتها "تويتر" وكأن الجميع أصبحوا صحفيين لا يترددون في نشر أي مقطع وكأنه سبق صحفي، وذلك خاطئ. فهناك مسائل تتعلق بالأعراض والكرامة والأمن الاجتماعي ينبغي وضعها في الحسبان، وما حدث يمثل ضغطا للرأي العام في مسألة لم يبدأ التحقيق فيها أو بدأ مما يؤثر في مجرياتها والوصول الى حالة عدلية متوازنة، لأن الواقعة أكبر مما تم بثه ولا أحد يعرف تبعات ومقدمات ما حدث. ولربما كان الموظف أفضل سلوكا وخلقا من المراجع وما حدث كان ظرفيا وطارئا وخارجا عن الإرادة، وكل ذلك لا يمكن تقديره دون معرفة كامل التفاصيل، لذلك فليتوقف متسابقو "تويتر" عن بث كل ما يتم تصويره لأن العالم لا يعرف كل الحقيقة ويكفيه بعضها القليل ليصنع منها أسوأ ما يسيء إلينا.