فتح موضوع «مقطع أمين عسير» قضية توثيق مقابلات المسؤولين مع الجمهور سواء بطريقة علنية، أم بطريقة سرية من المواطنين أنفسهم، والمتتبع لمقطع «أمين عسير» يرى أن المقطع لم يعرض كامل الزيارة للأمين، بل اكتفى بالمقطع الذي قام به الأمين بصرف المواطن من أمامه بقوله «توكل على الله»!. إذن؛ فالمسؤول بعد اليوم سيكون مراقبا من حيث لا يعلم ومن أكثر من جهة، وربما تكون خفية، لذلك سيحجم بعض المسؤولين عن مثل هذه المقابلات العشوائية والميدانية المفاجأة، كما قد تتسبب في امتناع بعض المسؤولين عن مقابلة الجمهور في جميع الأوقات. «الرياض» استطلعت آراء بعض المسؤولين والمواطنين حول إمكانية توثيق المقابلات بين الجمهور والمسؤول، سواء بطريقة معلنة من جهات رقابية محايدة، أو بواسطة كاميرات مخفية للمواطن نفسه. حجم المسؤولية في البداية أشاد وكيل إمارة منطقة عسير «م. عبدالكريم الحنيني» بفكرة الرقابة على المسؤول، وقال: «كان بودي لو أن (الرياض) تكون حاضرة لديوان الإمارة وهي تشاهد أعداد المراجعين خلال ساعات العمل الأولى، وهذا يتطلب من المسؤول أن يكون متفهما وصبورا ويتحلى بسعة الصدر لكل ما يطرح بهذا المجلس من المواطنين، والذين تختلف شكاويهم ومسألتهم؛ لذلك عندما يكون هناك رصد لمثل هذه المقابلات سيتضح للجهات الرقابية مدى حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المسؤول، وهذا فوق مهامه الإدارية الأخرى»، مشيراً إلى أن إمارة منطقة عسير مستعدة لدراسة مدى إمكانية توثيق مثل هذه المقابلات وتعميمها على إدارات المنطقة الحكومية إذا أثبتت فعاليتها. وأضاف: «ولاة الأمر دائماً يحرصون على المقابلة والاستماع لما يهم المواطن، ومن توجيهاتهم للمسؤول أن يفتح قلبه للمواطنين والإعلام ليكونوا على اطلاع على ما يهمهم ويخدم مصالحهم». إساءة للمسؤول من جهة أخرى أوضح «م. يزيد آل عايض» -مدير عام المياه بمنطقة عسير- أن التقنية هذه الأيام أصبحت تستخدم في غير محلها في بعض الأحيان، بحيث يتم التصيد لأخطاء المسؤول والقيام بالتصوير ونشر المقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض الإساءة للمسؤول بأي شكل من الأشكال. وقال: «طالما أصبح الموضوع بهذا الشكل، فأرى أن توثيق مثل هذه المقابلات مع الجمهور من شأنها حفظ كرامة المسؤول والمواطن، ولا يستطيع أحد التجني على الآخر، خاصة إذا كان هنالك محاولة لاستفزاز المسؤول عن طريق الكلام أو الأسلوب أو حتى عن طريق تعابير الوجه أو حركات اليد، فأرى أن هذا التوثيق سيحل مشكلة محدودة، ولكن أثرها السلبي هو تعطيل المراجعين حيث سيضطرني هذا الفعل لتحديد موقع معين للالتقاء بهم يكون مهيأ للكاميرات ونقل الحدث كما هو، ولا يستقبل أحد خارج هذا الوقت إذا هناك مشكلة وهي ليس كل المراجعين يستطيعون الحضور بهذا الوقت المحدد.. ولكنها ستخدم المسؤول بحيث لا يستطيع أحد فبركة أي مقاطع أو تصوير أي مشاهد تسيء له». م. عبدالكريم الحنيني وأضاف: أعتقد أن المسؤول عندما يفتح بابه للجمهور ما هو إلاّ من حرصه على الاستماع للجميع، وتحقيق الهدف المنشود من وجوده بهذا المنصب وهو خدمة المواطن وتحقيق مطالبه، فالمسئول بالنهاية إنسان وليس «ملاكا»؛ فهو يغضب ويتألم وليس هناك أحد معصوما عن الخطأ، والذي يدعي الحلم وأنه يستطيع أن يتحكم بأعصابه فليس من البشر. استبيان فيما اقترح «م. علي المسفر» -مدير إدارة الطرق والنقل بمنطقة عسير- أن يكون هناك استبيان من الجمهور لأداء المسؤول ويكون بشكل دوري، ولا نحكم جزافاً على المسؤولين من خلال مقطع واحد أو تصرف قد يكون الوحيد في عمله، فالمسؤول عندما يتقلد مهام وظيفته يعلم أنه سيواجه الكثير من الناس باختلاف توجهاتهم وثقافاتهم ومشاكلهم فسيكون بموقع الحدث تارة وتارة بمكتب أمير المنطقة وأخرى بمكتب الوزير؛ لذلك فالمسؤول سيكون على طبيعته بكل المواقع ولا أعتقد أن وجود كاميرا ترصده ستجعله إن كان سيئاً سيصبح حسن التصرف؛ لذلك أعتقد أن فكرة توثيق مقابلات المسؤولين بالجمهور فكرة ناجحة، وتحفظ للجميع حقوقهم، وتكون الإدارة التابع لها المسئول هي الجهة الرقابية لمتابعة سلوكه وتعامله مع الجمهور. ضغط وتقييد في حين يرى الكاتب الصحفي بصحيفة الحياة «عبدالعزيز السويد» أن كل جهة حكومية لديها جهات رصد إعلامية لكل أعمالهم، بل إن بعض الجهات تستعين بشركات إعلامية لهذا الشأن، ولكن هذا لا يمنع أن اقتراح «الرياض» غير قابل للتنفيذ، بل هو معقول فيما لو توفرت جهة تراقب غير الجهة المعنية بالأمر كجهة الرقابة والتحقيق، ومكافحة الفساد على سبيل المثال. م. يزيد آل عايض وقال إن هذا التوثيق لو نفذ سيكون هناك ضغط على المسؤول، وتقييد على المراجع، بحيث يكون كلا الطرفين على حذر وسيجعل العلاقة رسمية ومحدودة، كعلاقة سائق المركبة ب «طريق مراقب بالرادار»، حيث سنرى الانضباط، ومن السهل أيضاً أن يستقبل المسؤول المواطن بوجه ضاحك، وسيعطي فرصة أكبر للتعامل بأدب واحترام لكلا الطرفين، ولكن النتيجة ستكون غير مرضية؛ لأنها لن تحل شيئا والمشكلة ستبقى إدارية، والتغيير ليس سهلا. وأضاف أن المسؤول ليس بحاجة لكاميرات توثق مقابلاته؛ فالمسألة تعتمد على احترام الإنسان، وأنت لم توجد بهذا المكان المسؤول إلاّ لخدمة المواطن وخدمة غيره دون أن تمس بكرامته، وما قضية «أمين عسير» إلاّ نموذج لما يحصل، والآن أصبح كل شخص يستطيع أن يوثق ما يراه من خلال جهازه الجوال، وللأمانة فهناك قضايا كثيرة وثقت ونشرت عبر اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي، إلاّ أنها لم تلاقِ الاهتمام والنشر المرجو منها كما حصل مع مقطع «أمين عسير». م. علي المسفر مراجعون يرفعون الضغط! وقال «أحمد العسيري» -موظف حكومي- إننا نواجه خلال عملنا بعض المراجعين ممن لا يتحدثون عن مشاكلهم بطريقة مباشرة، وإنما يتعرضون لأمانة المسؤول، أو مصداقيته، أو مدى اهتمامه بالعمل بالكثير من النقد الجارح، وذلك لمحاولة استفزاز المسؤول وجعله يرد عليهم بطريقة قد لا تليق، وهناك من يدخل بصلب المشكلة ويجد ردا مهذبا من المسؤول؛ لذلك فالمسؤول لا يرتب نفسه ماذا سيقول؟، وماذا سيحدث؟، فغالبية المسؤولين يتعاملون مع المواقف التي تواجههم بكل شفافية وبدون مبالغة أو تهجم على الآخرين. وقال: «لو طُبق هذا التوثيق وعرض على جهات مختصة ووجدوا أن المسؤول ديدنه بالتعامل هو الترفع على الناس ومقابلتهم المقابلة السيئة والاستهتار؛ فهذا يجب أن يحاسب، بينما من كان طبعه بالتعامل مع المواطنين الرفق والاحترام فسيكون العكس، ولكن أيضاً يجب أن نعرف جميع الظروف المحيطة بظروف هذه المقابلات، فهناك من المراجعين من يكون غاضبا وهناك المظلوم وآخر يكون مريضا فلنا ألاّ نتجاهل ردة فعل المسؤول تجاه مثل هؤلاء المراجعين؛ خاصة إذا طرح الموضوع بشكل وطريقة غير مناسبة. عبدالعزيز السويد وجهة نظر أخرى ويقول الكاتب بجريدة الجزيرة «د. عبدالرحمن الشلاش» إنه من حق المواطن أن يستقبله المسؤول ويستمع لما يقول، ويستوعب مشكلته، ويبحث له عن الحلول بكل رحابة صدر وبمعاملة راقية وحسنة دون فضل أو منّة، ولا يحتج المسؤول أن المراجع قد أطال في الكلام أو كرر السؤال، ويرتكب بعض المسؤولين بعض الحماقات غير المبررة في حق المراجعين بطردهم ورفع الصوت عليهم وكأنهم يطلبونهم من بيوتهم وجيوبهم، ويضيقون بهم مثلما حدث من أمين منطقة عسير، ولولا أنها وثّقت بكاميرا جوال أحد الحضور ونقلت على «اليوتيوب» لما علم عنها أحد؛ ما يعني أهمية التوثيق في حفظ المواقف المختلفة والأحداث وحفظ حقوق المواطن، وكذلك المسؤول أي حفظ حقوق الجميع، وتقديم الصورة للقيادة لكن السؤال: كيف يتم التوثيق؟، وهل يتم بكاميرات إدارة الإعلام بجهة المسؤول فتتولى تصوير لقاءات المسؤول الميدانية مع المواطنين؟. د. عبدالرحمن الشلاش وأضاف: أعتقد أن التوثيق عن طريق الجهة نفسها لا تتوفر فيه المصداقية المطلقة؛ كون الجهة ستتولى التصوير وستقوم بحذف المقاطع غير اللائقة من الفيلم قبل تسليمها للجنة الرقابية، صحيح أن وضع المسؤولين وكذلك المراجعين أمام الكاميرات سيحد من أي أخطاء؛ لكن لنفترض أن هناك أخطاء قد حدثت ستقوم جهة المسؤول، وربما بأوامر من المسؤول بحذف أي أخطاء خاصة، وأن عملية المونتاج تتم حالياً بأحدث التقنيات ولن يكون الأمر بهذه الطريقة مجدياً حتى لو تم تركيب آلاف الكاميرات؛ لذلك سنطرح سؤالاً بصيغة أخرى، وهذا السؤال يدور حول الطريقة المثلى لتوثيق المقابلات الميدانية للمسؤول مع الجمهور، سواء داخل الإدارة الحكومية أم خارجها في فروع الإدارة الأخرى، ومن وجهة نظري أن يتم التوثيق بأكثر من أسلوب وطريقة لضمان عدم التلاعب في المادة المسجلة أو المصورة؛ فتقوم الجهة عن طريق إدارة الإعلام فيها بتصوير وتسجيل المقابلات الميدانية وتقوم جهة رقابية محايدة من الوزارة بحضور اللقاء وتصويره وتسجيله ومقارنته بما لدى الجهة، كما يسمح لوسائل الإعلام بالحضور وتغطية المقابلات صوتاً وصورة، وبذلك نضمن تعدد المصادر التي يمكن الاعتماد عليها والتي لا تسمح بتمرير الحدث أو التلاعب فيه، مشيراً إلى أنه يمكن عقد دورات للمسؤولين في كيفية التعامل مع المراجعين؛ لأن بعضهم يفتقد للأسف لأصول التعامل الصحيح.