كانت تمور الأحساء وإلى وقت قريب نسبيا تسيطر على سوق التمور في الجزيرة العربية والخليج، ثم تراجعت لتترك الفرصة لمدن أخرى وصلت إلى المقدمة في إنتاج وتوزيع التمور، وكان شح المياه سببا في تدهور زراعة أشجار النخيل في الأحساء، وضعف إنتاجها من الرطب والتمور، وقد بدأت تتعافى في السنوات الأخيرة، مما بعث الأمل في يقظة جديدة لتمور الأحساء بعد أن غطت في سبات عميق يذكرنا بسباق الأرنب والسلحفاة، فعندما نام الأرنب استطاعت السلحفاة أن تكسب قصب السبق في سباق يبدو غير متكافئ لكن العبرة بالنتائج أولا وأخيرا، وجاء إنشاء مدينة الملك عبدالله العالمية للتمور بشارة خير لمزارعي الأحساء وكلهم معني بزراعة التمور وتسويقها، لكن هذه المدينة بدلا من أن تكون مركزا عالميا لتسويق التمور أصبحت أشبه بالأطلال التي تنعق فيها الغربان، باستثناء أسابيع محدودة في السنة هي فترة (الصرام) وهي فترة جني التمور، وبانتهاء موسم جني التمور تعود هذه المدينة كما تسمى إلى حالة من الركود، بل النوم العميق حتى الموسم التالي، وهذه حالة تتناقض مع الأهداف المعلنة لهذه المدينة، وهي أهداف تبخرت نتيجة تقصير الجهات المسئولة عن هذه المدينة، وعدم النظر إليها بجدية أكثر، وهي وحدها التي تملك إنعاش هذه المدينة، وإحيائها على مدار العام لتكون وفق الأهداف المعلنة حين إنشائها، ولعله من المناسب أن نذكر بما سبق التصريح به من: (أن مشروع مدينة الملك عبدالله للتمور يضم ساحتي حراج إحداهما تقليدية والأخرى على نمط عالمي، مثل البورصة وصالة مغطاة وجناحين لمحال مع مباسط تحدد خطوط المشروع، ومراكز تجارية في زوايا المشروع، وموقع مخصص لإنشاء مصانع تعبئة وتغليف التمور، ومكاتب لشركات النقل والتوزيع. ومكاتب إعلامية ومراكز اتصال ومختبرات مراقبة الجودة لفحص المنتج ومطابقة الأوزان بالإضافة إلى قاعة مؤتمرات ومعارض خاصة بنشاط النخيل والتمور، ومكتب اتصال وتنسيق لتبادل التجارب والخبرات المماثلة من وإلى أنحاء العالم كافة، ومركز تدريب وتأهيل وتثقيف في صناعة التمور). فماذا تم من كل هذه الأحلام الوردية التي استبشر بها أهالي الأحساء بعد أن أعلنت تحت شعار (التمور لها وطن). أترك الإجابة للجهة المختصة التي تجاهلت كل هذه الأهداف، بل ووافقت على إقامة بعض المعارض الخاصة بالتمور في أماكن أخرى خارج هذه المدينة، لتذهب الملايين التي صرفت على إنشائها والأحلام التي نسجت حولها أدراج الرياح، فلا يبقى بعد انتهاء الموسم سوى الرمال التي تزحف على إنشاءات هذه المدينة، وهي إنشاءات يمكن استغلالها والاستفادة منها على مدار العام، خاصة وأن موقعها على طريق المسافرين لدول الخليج يكسبها أهمية أكثر، ويوفر لها نشاطا تسويقيا دائما وعلى مدار العام، فلماذا يتم تجاهل هذه المدينة التي كان الأمل معلقا عليها لتنعش زراعة وتسويق التمور في الأحساء، ولم لا تكون مركزا دائما لهذا النشاط الاقتصادي الهام، بحيث توجه كل محلات بيع التمور للاستقرار في هذا لمكان، ولتعتبر بديلا دائما لسوق التمور الذي تمزقت أوصاله في شتى الأنحاء والأحياء في مدن وقرى الأحساء، مع أن وجود مكان واحد للتمور يسهل على الجميع الرجوع له للحصول على أنواع التمور التي يرغبون في شرائها بدل تضييع الوقت في البحث عنها في كل مكان؟. من يزر مدينة التمور بعد شهور من انتهاء الموسم فسيجد العجب العجاب من مظاهر الإهمال التي تسيطر على منشآتها حيث تزحف الرمال عليها، وتعوي الرياح بين جنباتها، وتكسو الكآبة ملامحها، حتى فرع البنك الوحيد بها يغلق أبوابه إلى الموسم القادم، والأغرب من ذلك أن بعض سكان الأحساء لا يعرفون عن هذه المدينة شيئا، ولا عن موقعها شرق بلدة الجشة في تقاطع طريق العقير مع طريق دول الخليج العربي المؤدي إلى قطر والإمارات وعمان. مما يؤهلها لأن تكون واجهة حضارية هامة لكنها مهملة، فهل سيكتب لهذه المدينة بعث جديد ينقذها من البيات الدائم طول الشهور التالية لموسم (الصرام)؟!.