التعاون وليس الصراع أحد أهم سمات العلاقات بين الدول، والحوار واحد من عناصر التعاون، ولكن التعاون يجب أن يكون واضحا وعلى أسس، وألا يتجاهل الماضي والتاريخ القريب وليس البعيد، لان إيران ومنذ الثورة الايرانية عنصر عدم استقرار اقليمي، وهي مؤثر سلبي في الأمن الخليجي، وعنصر مؤلب على الصراعات الطائفية، وتغيير طبيعة الصراع في المنطقة من عربي إسرائيلي إلى عربي عربي (سني وشيعي) وعربي فارسي، ولهذا من حق الدول التي جربت إيران طوال 36 عاما أن لا تندفع في اجتماعات ليست لها نتائج، فإيران ترغب بعلاقات إعلامية الطابع لكنها في جوهر سياساتها ليست ثمة تغيير. فكرة الحوار، هي مسألة سياسية، وهي اشتباك مع الآخر للوصول إلى تفاهمات وتحقيق نتائج ايجابية، تنعكس على أطراف الحوار، لكنه مع إيران يبدو مختلفا جدا، فإيران ترغب بحوار وجولات ماراثونية من الحوارات، لانها ترى ان الاطراف الاخرى ليس لديها مشروع إستراتيجي موحد من ايران، رغم انه وفي هذا العام طرأت تغييرات استراتيجية كبيرة تمثلت في عاصفة الحزم، التي شكلت موقفا خليجيا وعربيا واقليميا مضادا للتدخل الايراني في المنطقة، هذه الاستراتيجية تجاوبت معها قوى سياسية ومدنية عربية، واعتبرتها ملامح لمشروع عربي خليجي لوقف التمدد الايراني. وعليه فان الحوار مع ايران سيكون على أساس ملامح المشروع السياسي والاستراتيجي لعاصفة الحزم، والمتمثل في القدرة على اتخاذ القرار، والقدرة على تكوين تحالف عربي اقليمي، والقدرة على بناء قوة تدخل عسكري عربية، وايضا القدرة على استعادة وبناء العلاقات الدولية وايضا مع القوى الحية العربية، والعمل على صيانة الامن العربي استعدادا لمواجهة مع الطرف الايراني، تمثلت ملامحها في اليمن، وايضا في الضغط والدور الخليجي المساهم في مخرجات الاتفاق النووي، اضافة الى استنزاف ايران في مناطق التدخل العربية، وهذا ما يجعل ايران رغم مكابرتها الظاهرة تستميت من أجل الحوار، وهذه الاستماتة اتضحت معالمها في الرسائل العديدة التي حاول وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ارسالها للاطراف الخليجية وللمملكة على الخصوص. المؤشرات تؤكد أن اللقاءات الامريكية الروسية السعودية تعمل على تهدئة المنطقة وقيادتها نحو الاستقرار، ومحاربة الارهاب، ولا يكون ذلك إلا بنزع أدوات الفوضى في المنطقة، والدعم عن التنظيمات المتطرفة، وسحب ادوات التدخل في الشؤون العربية، ومن ثم الحرب على الارهاب، شريطة ألا يكون ذلك على انه مكافأة للنظام السوري، ولهذا فان ما يشاع عن احتمالات عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية لدول الخليج العربي مع وزير الخارجية الايرانية، فان تم هذا اللقاء، فهو حتما لن يكون تفصيليا بقدر ما يكون بروتوكوليا واستكشافيا. ونعتقد ان على دول الخليج وقبل البدء بحوار مع ايران، عليها ان ترسم استراتيجية واضحة مستمدة من استراتيجية عاصفة الحزم للتعامل مع ايران، وبشكل ندي، وان تكون هناك رؤية واضحة ومحددة لكيفية التحاور مع ايران وما هي الاسس الممكنة لقيام مثل هذا الحوار، رغم اننا مازلنا متأكدين ان الحوارات لن تنجح ولن تؤدي الى نتيجة لان التغيير المطلوب ليس من دول الخليج وانما التغيير المطلوب يجب أن يكون من ايران وفي قضايا رئيسية وملفات معروفة. العقيدة السياسية الايرانية قائمة على طرفين متناقضين الاول الرغبة الدبلوماسية والاعلامية في كسر جدار الصمت الخليجي، واجتيازه بنجاح، دون تقديم تنازلات جوهرية، وفي ذات الوقت لن توقف ايران سياساتها التدخلية في المنطقة، وسيكون الطرف الثاني التدخلي قائما ومنفصلا عن الطرف الثاني، ففي الوجهة الاولى يظهر الوزير الظريف، وفي الوجهة الثانية تظهر ايران قاسم سليماني باعتباره بطلا خارقا للعادة وان بامكانه خوض المعارك على عدة جبهات وان يتواجد في اكثر من مكان، في العراق وسوريا ولبنان وربما اليمن، وفي موسكو، وهذا بالقطع لا يؤسس لعلاقة تعاون طبيعية مع دولة تعيش حالة تناقض في طبيعتها السياسية، وقد يأتي وقت يؤكد فيه ظريف عدم مسؤولية وزارته عما يقوم به الحرس الثوري الايراني وانه مسؤول عن الملفات والقضايا التي يبحثها فقط. هناك محاولة امريكية ايرانية لتقريب وجهات النظر الخليجية الايرانية، وهذا التقريب لن يكون عمليا وناجحا دون تجاوز التعقيدات على أرض الواقع، وبخاصة التواجد والتدخل الايراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، اضافة الى الجزر الاماراتية المحتلة، ناهيك ايضا عن الاحتلال التاريخي لعربستان، وهنا نتساءل عن آليات الحوار وامكانية تحقيق نتائج طالما ظلت ايران تدعم التطرف والارهاب والطائفية، وطالما ظلت ايران تعتبر بعضا من المواطنين العرب بانهم جزء من ولايتها الدينية والسياسية. بالطبع لن يكون الحوار تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي لوجود اعتراضات منطقية حول طبيعة العلاقة مع ايران، لا بل ان ايران تكرس فكرة رئيسية لدى بعض الدول العربية بأنها دولة غير مسؤولة وان الحوار معها غير مجدٍ، وان الكلام الدبلوماسي لن يكون حائلا دون استخدام ايران لادواتها وعملائها في المنطقة، ولعل خلية حزب الله في الكويت، والخلايا النائمة في البحرين تكشف حجم الهوة بين العرب وايران. ايران ليست لديها فكرة استراتيجية للتعاون مع دول الجوار لان للتعاون ضوابط وشروطا، وانما ايران ترغب بالتعاون لغايات سياسية آنية، وانها تحاول ان تظهر للغرب بان سبب تشددها السابق نابع من حجم الحصار المفروض عليها، وانها تحاول ان تقدم نفسها كدولة طبيعية والمجتمع الدولي، وانها تساعد في الحرب على الارهاب، كما انها بحاجة لتوظيف الحوار مع دول الخليج، كواحد من نتائج «انتصاراتها» بعد توقيع الاتفاق النووي، وانها تثبت لمواطنيها أنها تمكنت فعلا من فرض وجهات نظرها على العالم، وان العالم اليوم يطرق ابوابها، وهي وبحسب مسؤول ايراني ان وزراء خارجية لدول عديدة يطرقون الابواب لزيارة طهران، لكننا نرتب الزيارة حسب الأهمية وحسب متطلبات المصالح الايرانية.