بعد أن ساد الاعتقاد بأن خطاب «المحافظين الجدد» قد ولّى إلى غير رجعة ودُفن في حرب العراق، عاد ذلك النهج العسكري المروّج لاستخدام القوة في السياسة الخارجية الأمريكية يطل برأسه مجددا في حملة انتخابات الرئاسة 2016. وخلال العقد الماضي خرج «المحافظون الجدد» الذين يمثّلهم نائب الرئيس السابق ديك تشيني ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، من الساحة السياسية وباتوا «موضة قديمة». لكن حملة انتخابات الرئاسة 2016 شهدت عودة مرشحين جمهوريين يعتمدون على مستشارين ارتبطت أسماؤهم في السابق بكوارث «الحرب الاستباقية» التي شنها الرئيس السابق جورج بوش على العراق. وخلال المناظرات بين المرشحين الجمهوريين التي جرت الأسبوع الماضي، حرص 17 مرشحا على التأكيد على أن باراك أوباما رئيس ضعيف، متعهدين بتبنّي منهاج أكثر قوة في السياسة الخارجية لبلادهم. واعتبر المرشحون الجمهوريون أن الحذر والواقعية التي تبنّاها أوباما في حكمه هي خلل في القيادة الأمريكية أدى إلى فراغ في القوة سمح لكل من روسياوإيران والصين والجماعات الجهادية بأن تنشر الفوضى في العالم. وأعلن السيناتور تيد كروز -أحد الراغبين في الوصول إلى البيت الأبيض-: «نحتاج إلى قائد جديد يقف في وجه الأعداء». وسعيا منه إلى تجنّب الجو المعادي للحرب الذي حمل أوباما إلى الرئاسة، أكد السيناتور ليندسي غراهام ضرورة إرسال قوات أمريكية إلى العراق وسوريا لقتال تنظيم داعش. وإذا بدا ذلك الخطاب مألوفا، فكذلك كانت الوجوه. فقد لجأ المرشح جيب بوش -شقيق الرئيس الأسبق جورج بوش- إلى بول وولفويتز، الذي كان من أبرز الداعين لغزو العراق عندما كان مساعدا لرامسفيلد، ليكون مستشاره. أما السيناتور ماركو روبيو فمساعده هو جايمي فلاي الذي عمل في فريق الأمن القومي للرئيس السابق جورج بوش. في 2013، قال فلاي: إن على الولاياتالمتحدة أن تتبنى سياسة تغيير النظام في إيران من خلال شنّ حملة قصف واسعة على أهداف حكومية. وليس من المستغرب أن يلجأ مرشحون جمهوريون إلى أشخاص عملوا في إدارتي بوش السابقتين نظرا لخبرتهم في مجال السياسة الخارجية. ونظرا إلى أن العمل الحكومي في واشنطن مسيّس للغاية، فقد عمل هؤلاء طوال السنوات السبع الماضية في مؤسسات للأبحاث وفي القطاع الخاص بانتظار أن يعودوا مجددا. إلا أن بعض الجمهوريين يرون أسبابا أكثر منهجية للعودة إلى الماضي. ويعرب لورنس ويلكرسون -الجمهوري الذي كان منافسا للمحافظين الجدد أثناء عمله رئيسا لهيئة موظفي كولن باول خلال إدارة بوش- عن اعتقاده بأن السياسات الحزبية، وعدم الاستعداد لقبول تناقص سلطة أمريكا في العالم دفع بالمرشحين إلى اعتناق أفكار المحافظين الجدد. وأضاف: «لقد وجدوا أنه من غير الممكن لهم الفوز بالرئاسة بدون 12 بالمئة من الأمريكيين المجانين»، في إشارة إلى الناخبين المحافظين المتدينين المتطرفين الذين يسعى المرشحون إلى استمالتهم للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لسباق الرئاسة. وقال: «الجمهوريون يحتاجون إلى أصواتهم، وهم يصوتون (...) كما أنهم يكرهون الرئيس كرها شديدا. بعضهم عنصريون متعصبون جدا». إلا أن السبب هو النظرة إلى القوة الأمريكية وكيفية استخدامها. وأكد ويلكرسون -الكولونيل السابق في الجيش الأمريكي- أن «الولاياتالمتحدة تفقد قوتها». وأضاف إن المرشحين الجمهوريين يريدون أن يقولوا للناخبين «نحن أمة لا يستغني عنها العالم، نحن الشعب الاستثنائي، علينا أن نعود إلى القمة مجددا». وأضاف إنهم ينسون دور جورج بوش وتشيني في تدهور مكانة أمريكا، ويقولون: «بالمناسبة، فإن الرجل الموجود في البيت الأبيض والذي تصادف أنه أسود بذل جهوده لتسريع ذلك». ويعتقد أنه إذا فاز أمثال جيب بوش أو روبيو بالرئاسة فإنهم من المرجح ألا يطبقوا معظم ما يقولونه. ويقول: «عندما يدرك هؤلاء الحقيقة، ويحصلون على أول جلسة اطلاع على المعلومات، ويصبحون في المكتب البيضاوي، أعتقد وآمل أن تعود القيادة المسؤولة». ويشير المحافظون الجدد من جانبهم إلى صعود تنظيم داعش والأزمات في ليبيا وأوكرانيا وغيرها من الدول، ويعتبرون ذلك دليلا على ضرورة تغيير العقيدة. وكتب مارك مويار -الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية على مدونته-: «لقد اتسمت رئاسة أوباما بأكملها بالتعامل مع السياسة الخارجية على أنها تمرين في إدارة الأزمات». وأضاف إن «الأشهر المتبقية لأوباما في الرئاسة ستمنح أعداء أمريكا الوقت لزيادة قوتهم». وتابع: «إن استمرار السلبية والرمزية قد يؤدي كذلك إلى إقدام الأعداء على استفزازات في مسعاهم لسرقة المزيد من الأغنام قبل أن يأتي راع أكثر يقظة». ويتوقّع أن تشهد الفترة المتبقية من حكم أوباما والحملة الانتخابية لخلافته المزيد من الخطاب المحافظ الجديد المتشدد.