تكرار الحوادث الإرهابية ذات العمق المتطرف والتكفيري يؤكد وجود عدد من الذين يتم استخدامهم لأغراض تتضاد مع مقتضيات الدين ولكن يتم توظيفها في سياق ديني، وهنا تكمن المفارقة، القتل بغطاء الدين لأهداف دينية متوهمة، وذلك أمر لا يمكن تغرير أو تضليل أحد به إلا شباب صغار في عنفوان نمو فكرهم الديني وتخريب قناعاتهم والسيطرة على خياراتهم، وكما يأكل الذئب من الغنم القاصية فإن كل متوحد أو منفرد سلوكيا في الإطار الاجتماعي إنما هو مشروع تفجير وترهيب محتمل. انتحاري مسجد الطوارئ في عسير عمره واحد وعشرون عاما، اختفى عن الأنظار منذ شهر رمضان المبارك ليظهر في المسجد الذي هو دار عبادة ويغدر بالمصلين من حماة الوطن، ذلك يستعيد بنا الفكرة الظلامية التي يتوارى فيها أمثاله وغيره من الخلايا النائمة على فكر متوحش وعدائي لا يميز بين مطلوبات الأمن والسلام والسماحة الدينية التي تعادل قتل النفس بقتل جميع الناس، ومن يفوت عليه ذلك ولا يقيم وزنا أو اعتبارا لحرمة النفس ودار العبادة التي هي بيت الله، لا شك أنه تعرض لتعسف ديني رهيب جعله قنبلة بشرية موقوتة، وفي ذلك تترتب مسؤوليات على كل ذي صلة بكل مضطرب سلوكيا، دينيا وشخصيا واجتماعيا. الخلايا النائمة التي تحمل فكرا مغايرا يمكن تمييزها حين نتعامل بفهم أن المواطن رجل الأمن الأول، بمعنى أن تتوافر حساسية أمنية أو حد أدنى من اليقظة للمتغيرات التي تطرأ على الفرد في وسطنا الاجتماعي، لأن هناك كثيرين بالفعل يحملون أفكارا غادرة تكفّر وتجرّم ثم تفتك بالناس بعدائية إجرامية عنيفة حتى لو كانت أهدافهم البشرية ساجدة وراكعة لخالقها، والوصول إلى المساجد على هذا النحو المتكرر يشير إلى ارتفاع النزعة الإجرامية والإرهابية على نحو يعكس تطور الإرهاب لأن من يقتنع بمنع وإرهاب الناس عن تعمير بيوت الله إنما دخل منزلقا أشد بؤسا وسوءا في ضياعه وعبثه بالدين، هؤلاء يلاحقون الناس بالموت حتى وهم في جوار ربهم، وليس بعد ذلك من شذوذ فكري وعقدي. الثابت من إرهاب مسجد الطوارئ أن الإرهابيين لا يفرقون بين اتباع دين أو مذهب، فالجميع عندهم في سلة واحدة من الكفر، وذلك يجعل ما حدث سابقا في غيره من المساجد يأتي في سياق عام ينبغي ألا نخرج به عن إطاره، لنخلص الى أن الوطن الذي يتعرض بكل ما فيه إلى هذا الإرهاب مستهدف من المتطرفين الذين انحرفوا عن منهج الوطنية والمواطنين في تعايشهم وعملهم الجماعي من أجل استقرارهم وتعايشهم، ويجب العمل بذات الأفق الوطني في إطار المكافحة والقضاء على التطرف والإرهاب.