عبدالله علي الشهراني الإسلام دين منهجه وسط في كل شيء: في التصور والاعتقاد والتعبد والتنسك والأخلاق والسلوك والمعاملة وهذا المنهج هو الذي سمَّاه الله سبحانه وتعالى (الصراط المستقيم) بين المغضوب عليهم وبين الضالين الذين لا تخلو مناهجهم المنحرفة من غلو أو تفريط كما أكدّ علماؤنا الأجلاء ذلك. وكلنا نعلم أن النصوص الإسلامية تدعو إلى الاعتدال وتحذّر من الغلو أو التفريط قال تعالى {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق}، وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إيَّاكم والغلو في الدين فإنما هلك مَنْ قبلكم بالغلو في الدين}، ومن أجل ذلك قاوم النبي صلى الله عليه وسلم كل اتجاه ينزع إلى الغلو في التدين ووازن بين الروحية والمادية ووفق بفضله بين الدين والدنيا. إذاً لا شك في أن الغلو والانحراف الفكري والتطرف الديني أُمور مرفوضة عقلا وشرعا مهما كانت الأسباب والمسوّغات التي يُسوّلُها منحرفو الفكر ومروجو الإرهاب والتطرف. ومما يؤسف له حقا أن أفكارا مشبوهةً مُتطرفة تحمل في مضمونها تدينا مغشوشا وتأويلا فاسدا للنصوص الدينية تأثر بها البعض من شبابنا فقاموا بأعمال إرهابية تخريبية تُزعزع الأمن والأمان في بلادنا وفي بلاد أُخرى ولا زالت معركتنا الشرسة في مواجهة المتطرفين والإرهابيين والخلايا النائمة قائمةً إلى هذه اللحظة ورجال أمننا يقومون بأعمال مُشرّفة لاستئصال شأفة التطرف وكلنا تابعنا تلك الهجمة الداعشية الإرهابية التي تستهدف مساجدنا وتحمل شعار الجهاد ضد الشيعة وتتلبس بلباس الإسلام والإسلامُ منها براء! وفي هذا المقام أود أن أستعرضَ بعض مظاهر الفهم المغلوط لبعض القضايا الدينية والفكرية التي تؤدي بمَنْ يعتنقها إلى السقوط في هاوية التطرف والإرهاب ولا سيما لدى بعض شبابنا الذين وقعوا ضحايا لذلك الفكر المتطرف وقد رأينا بعضهم في سوريا والعراق في قبضة الأمن وقد اعترفوا أنهم ضحايا للفكر التحريضي الذي ينشره ويروج له الظلاميون والمُحرضون عبر وسائل التواصل الاجتماعي: 1- الخروج على ولي الأمر بدعوى الجهاد كلنا نعلم أن طاعة ولي الأمر من الأمور الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار، قال الله تعالى :- {يا أيُّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم..}، وطاعته واجبة كوجوب الصلاة والزكاة والصيام، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى الجزء الرابع عشر باب الجهاد ما نصه [وما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب على الإنسان وإن لم يبايعهم عليه وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة كما يجب عليه الصلوات الخمس والزكاة والصيام وحج البيت..] وأما عقاب من يخرج على ولي الأمر فعظيم في الدنيا والآخرة وقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية) وقال أيضا: - (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه)، والجهاد الحق هو ما توافرت فيه شروط وضعها العلماء الربانيون ومن أهمها إذن ولي الأمر. يقول ابن قدامة في "المغني" المجلد العاشر: "وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك"، إذاً لا يمكن لمن هبَّ ودبَّ أن يعلن الجهاد ويحرّض الشباب على الجهاد دون أذن ولي الأمر وإلاّ تشتت الأمة وضُعفت شوكتها وتمزقت أمام أعدائها. 2- استباحة قتل الأبرياء: لا شك في أن قتل النفس التي حرم الله قتلها جريمة كبرى وكبيرة الكبائر قال تعالى: {.. أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} والمتأمل في الآية يُلاحظ أن النفس وردت نكرة والنكرة تعني العموم أي بمعنى جميع النفوس بغض النظر عن دينها أو طائفتها أو جنسها أو لونها. وقد أعجبتني عبارة تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقول: إن الهند تعج بآلاف الأديان والعقائد وعاشوا بسلام بينما نحن المسلمون لدينا رب واحد ودين واحد وكتاب واحد ودماء الأبرياء ملأت شوارع الوطن.. القاتل يقول: باسم الله والله أكبر والمقتول يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. ونحن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. لعمري إن هذا تخلف وعدم فهم الإسلام الحقيقي الصافي القائم على التعايش والتسامح وتقارب المذاهب والأديان.. قاتل الله الإرهاب ومن يؤيده ويرضى به. 3- سقوط فئة من داخل مجتمعنا السعودي المسلم في مستنقع (التكفير) الذي يتخذ أشكالا مختلفة وأقنعة قبيحة مثل قولهم: علمانية وليبرالية وغيرها وكلها تسعى لإسقاط العصمة ممن يختلفون معهم، وبالتالي استباحة دمائهم وأموالهم ولا يرون لهم حرمة ولا ذمة ويكفرون الحكام والمحكومين وهذه الفئة الإرهابية المتطرفة من خلايا نائمة أو مكشوفة تؤمن بأجندة داعش المتطرفة وتحمل أفكارها وتحاول تنفيذها في داخل المملكة.. نسأل الله أن يخذلها وينصر جنودنا البواسل لدحر هذه الفئة الباغية المجرمة. 4- سوء الظن بالناس: فالبعض ينظر للناس عموما بمنظار أسود يُضخم السيئات والمعائب ويُخفي الحسنات والمحاسن. وهؤلاء الغلاة يُسارعون دائما إلى اتهام الآخرين وسوء الظن بهم ولم يقتصر سوء ظنهم على العامة فقط، بل لا يكاد ينجو فقيه أو عالم أو مثقف أو وزير أو كاتب اختلف معهم حول قضية خلافية من شواظ ألسنتهم، فذاك علَماني وذاك ليبرالي وذاك تغريبي. وإذا كان الأحياء لم يسلموا من اتهاماتهم فكذلك الأموات لم يسلموا من بذاءاتهم! ووسائل التواصل الاجتماعي مرتع خصب لذلك! وقد قال الله سبحانه وتعالى :- {يا أيُّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم}. 5 - وآخر مظاهر التطرف والانحراف الفكري التعصب المقيت: إنّ البعض يتعصب لرأيه تعصبا لا يعترف معه بآراء الآخرين حتى وإن كانت صائبةً! بل إنّ البعض يزعم أنه وحده على الحق ومَنْ عداه على ضلال مبين ويتهم مَنْ خالفه في الرأي بالفسوق واتباع الهوى والمروق من الدين! ويزداد ذلك التعصب خطورةً حين يُراد فرض الرأي بالسلاح أو عن طريق الإرهاب الفكري، إن هذا الإرهاب الفكري لا يقل خطورةً عن الإرهاب الحسي، بل لربما قد يكون سببا رئيسا للإرهاب المسلح!