ما أعرفه عن (جماعة داعش) أنها زمرة إرهابية إجرامية ضالة مُضّلة والإسلام براء من فسادها وأفعالها الشنيعة. وبعيداً عن التفاصيل، وعن أسباب نشأة هذه الفئة المارقة، وهل هي نبتة سلفية أو خارجيّة نسبةً "للخوارج" أو حتى نبتة أميركية! أرى أنّ منهجها وأيدلوجيتها اعتمدا اعتماداً كبيراً على أمرين مهمين وهما: - تكفير كل مَنْ يخالفها. - إسقاط عصمة الآخرين ممن يخالفونها الرأي واستباحة دمائهم وأموالهم وهذه نتيجة طبيعية لمن يخوض في لجّة التكفير ويتهم جمهور الناس بالخروج من الإسلام، وهذا ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام فقد كانوا أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية، صلاةً وصياماً وتلاوة قرآن ومع هذا قال عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة)، لأن لديهم فسادا في الفكر رغم إخلاصهم في العبادة! زيّن لهم سوء عملهم فرأوه حسنا وضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! وما وقع للخوارج - قديماً - وقع لفئة الدواعش - حديثاً - وغيرها من الفرق الضالة التي تُكّفر كل مَنْ يختلف معها في الرأي، وحقيقة لقد أسرف هؤلاء في التكفير وقتل الأبرياء أيما إسراف! نسأل الله أنْ ينتقم منها وما أود قوله في هذا المقام أنني أتساءل: هل يوجد بيننا داعشيون؟ هل يوجد بيننا مَنْ يحمل هذا الفكر التكفيري الإجرامي؟ هل يوجد بيننا من يتبنى فكرها المتطرف في الخفاء وهو ما يُسمى "بالخلايا النائمة" وينتظر الفرصة لتنفيذ ما تملي عليه أجندة التطرف والضلال؟ وبكل أسف إن هذا الفكر التكفيري موجود ولا سيما بين أواسط الشباب وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عن صفات الخوارج الذين يكفرون الناس بأنهم "حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البريّة…". والشواهد على وجود الفكر التكفيري بيننا كثيرة.. كلنا نعرف أن السلطات الأمنية في بلادنا - أيدّها الله - قبضت مؤخراً على ثمانية وثمانين متطرفاً يحملون الفكر الداعشي التكفيري الإرهابي، وهم ما بين مُحرضين ومخططين ومجرمين كانوا يريدون شن حملات إرهابية على بلادنا حماها الله. وفي الحقيقة إن من يتأمل الحوارات والنقاشات التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أشخاص يعيشون في بلادنا يوقن أنه يوجد داعشيون ولمّا يحملوا السلاح! بمعنى أنه يوجد من هو حاملٌ لفكرهم ومؤيدٌ لنهجهم وإن لم يحمل السلاح! وقد يكون ذلك عن جهل أو اقتناع ولنا الظاهر ولا يعلم ما في القلوب إلا الله ومما يؤيد هذا الافتراض أنَّ الناظر والمتأمل في حوارات التواصل الاجتماعي بما تحمله من حرية تامة في إبداء الآراء مهما كانت وتحت أسماء حقيقية أو مستعارة يتبين له أنه يوجد مَنْ يحمل (التكفير الصريح)، و(التكفير المُبطّن) أما التكفير الصريح فواضحٌ للعيان ضلالته ويُمكن مواجهته، ولكن الإشكالية والخطر الكبير في التكفير المُبطّن المُقّنع! الذي يُذكي جذوة التطرف والإرهاب في الخفاء! وشتان بين عدو يُبارزك بعداوته الصريحة وبين العدو المُقّنع المتلون المختفي، فالأول تستطيع مواجهته أو الحذر منه، أما الثاني فيصعب عليك ذلك! ومن أمثلة التكفير المُبطّن أننا نقرأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي مَنْ يتهمون كل مَنْ يخالفهم الرأي من المثقفين أو العلماء أو المسؤولين حول أيّ قضية من القضايا الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية بالعَلمانية أو الليبرالية - وإن لم يتصف بها أحد - وهذا الاتهام شكلٌ من أشكال التكفير المُبطّن، لأننا نعلم أن العلمانية والليبرالية بمفهومهما الغربي شكلٌ من أشكال الكفر بالدين الإسلامي وعندما نقول لأولئك إنكم كفّرتم الموحدين فتأتي الإجابة أنهم لم يكفروا وأنهم يقصدون بها معاني غير معناها الأصلي وندخل معهم في حوار بيزنطي ما أنزل الله به من سلطان! وأذكر أنني دخلت مع أحدهم في حوار واختلفتُ معه حول قضية من القضايا فما كان منه إلا أن قال بالحرف الواحد: (اتق الله يا عبد اللات)!! وكما نعلم أنَّ عابد اللات كافرٌ، وهذا شكلٌ من أشكال التكفير المُبطّن وأذكر أيضا أنني اختلفت مع أحدهم في قضية البريطاني ورجال الهيئة، وقلتُ له مع تقديري للأعمال الجليلة التي تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تطهير المجتمع من أوضار الفساد إلا أنني أعدّ أنَّ أولئك الذين تعاملوا مع البريطاني ارتكبوا خطأ وعليهم تحمل عقاب ذلك فما كان من ذلك المحاور إلا أن هاجم الهيئة، ثم دعا عليّ بقوله: "أسأل الله أن يحشرك مع ذلك البريطاني"، والذي يُحشر مع الكفار كافر هذا إذا لم يدخل ذلك البريطاني الدين الإسلامي ونرجوا له ذلك! وهذا شكلٌ من أشكال التكفير المبطن. وقد حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الاتهام بالكفر فشدد التحذير ففي الحديث الصحيح (من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما) فما لم يكن الآخر كافراً بيقين، فستُرد التهمة على مَنْ قالها ويبوء بها، وفي هذا خطر جسيم! وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أسامة بن زيد كما ورد في الحديث الصحيح أشد الإنكار حين قتل الرجل في المعركة بعد أن نطق بالشهادة وقال: قتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: إنما قالها تعوذاً من السيف؟ قال: هلاّ شققت قلبه؟ ما تصنع ب(لا إله إلا الله) قال أسامة: فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ فقط. ومن دخل الإسلام بيقين لا يجوز إخراجه منه إلا بيقين مثله. فاليقين لا يزول بالشك والمعاصي - وإن كانت كبائر – لا تُخرج المسلم من الإسلام ما لم يستخف بحكم الله فيها أو يرده ويرفضه وهذا ما أكده علماؤنا الأجلاء، وكل الشبهات التي استند إليها الغلاة في التكفير مثل داعش ومن والاهم مردودة بالمحكمات البيّنات من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويجدر بعلماء الأمة مواجهة هذا الفكر التكفيري وتجفيف منابعه في جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأسلوب سهل بسيط للعامة، فوالله إنه هو السبب الرئيس لما تعانيه الأمة من ويلات التطرف والإرهاب والفكر لا يواجه إلا بفكر مضاد له.