خُلِقَ البشر مختلفين في كل شيء، وجميعهم يرحلون ولكنهم يختلفون في الرحيل، البعض يرحل إذا انتهى عمره وهذه سنة الحياة، يغيب للأبد، يختفي تماما من المشهد، وهناك من يرحل إذا احتجت إليه ورمتك الأقدار عنده فهو غير موجود وكأنه لا يراك أو يشعر بك أو يتذكرك ويرحل رحيلا من أمامك ومن حياتك يجعلك عندها تصرخ بهدوء على جهلك أو عفويتك أو سذاجتك على أقل تقدير، اعتمادا على ثقتك المفرطة التي كانت توحي إليك انه موجود في كيانك وأنت كذلك عنده، حينئذ تكتشف المفارقة العجيبة والمضحكة في ان سنوات عمرك كنت تعيش مخدوعا بذلك الراحل ولكن ليس ذلك بغباء منك بل هو قدرك وحسن ذاتك التي تجعلك تنظر إليه بعين المحب.. أما البعض فيرحل إذا انتهى من حاجته وهذه الطامة الكبرى، هنا فقط تستشعر أنانية البشر وسوء مسلكهم ودناءة أنفسهم، وأعني بهم المنتفعين والمستفيدين من كرم الطيبين محبي الخير، وأصحاب المصالح يستطيعون الانسحاب بسهولة من أمامك حينما تنتهي حاجتهم منك معنوية كانت أم مادية، وبقدر ما تشعر به من الألم والحسرة والقهر والإحساس بالغبن والظلم، عليك بعدم المغالاة في ذلك الشعور ولوم نفسك والقسوة عليها، فأنت ببساطة لست الوحيد الذي كنت الضحية له، والضحايا لذلك النوع كثر وكثر، لا تعذب نفسك بل تذكر انك لست وحيدا أو متصفا بالغباء إنما هي سلبية الآخرين المعيبة. وهناك من يرحل إذا وجد بديلا عنك، والواقع يجبرنا أن نجزم أن هذا الصنف من الراحلين معد العدة ومبيت النية لفراقك ونكرانك في يوم ليس ببعيد، وهو يبحث عن بديل لك باستمرار ولن يكون البديل الجديد بديلا نهائيا بل هو ضحية أخرى، لأن هذا النوع من البشر لا يؤمن ولا يرضى ببديل نهائي لأنه جُبِل على الخداع والنفاق والقفز في الهواء. علينا أن نتوقع الرحيل بكافة أنواعه وكل الأنواع مؤلمة والكل ذاق مرارة الرحيل والجميع سيرحل.