أشار القرآن الكريم، وحي الله الذي نزل على خاتم النبيين محمد «صلى الله عليه وسلم»، إلى حقيقة علمية في عدد من آياته، ألا وهي ظاهرة الجبال التي توجد على سطح الأرض، والتي أمرنا الخالق بأن ننظر في آياته الكونية لنزداد هدى وبصيرة، (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ)، وذكر الله في كتابه الجبال في كثير من الآيات، شكلا ووظيفة، وأنها تسجد لله شأنها شأن المخلوقات الأخرى من شمس وقمر ونجوم وشجر ودواب وإنسان، (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ). وهذه الحقيقة العلمية لشكل ووظيفة الجبال لم يستطع الإنسان أن يصل إليها كحقيقة معروفة إلا بعد التقدم والتطور العلمي والتقني الهائل الذي حدث في الفترة الأخيرة من عمر البشرية. والإنسان منذ القدم عرف الجبال وعاش في أكنافها وتعامل معها واستفاد منها ومن مكوناتها، وعرف الجبل بأنه كل ما علا عن سطح الأرض واستطال وتجاوز التل ارتفاعا ومع مرور الزمن وتقدم الإنسان من قرن إلى قرن، فتن الإنسان بالجبال والذي جذبه إليها ما تحتويه من منافع واكتفى بمعرفتها ظاهريا حتى بداية القرن الثامن عشر، فبدأ يبحث في نشأة الجبال وتكوينها في بدايات القرن التاسع عشر من أعمال مسح جيولوجي ودراسات جيولوجية، إلى أن وصل إلى أن هناك امتدادات لهذه الجبال الهائلة في جوف القشرة الأرضية إلى مسافات عميقة؛ وأن هذه الامتدادات إما أن تكون من نفس مادة الجبال البارزة أو أكثر كثافة منها، وهي بعبارة أخرى وجود جذور Roots لهذه الجبال ممتدة أسفل منها، وكل بروز على سطح الأرض له امتداد يخترق الغلاف الصخري للأرض بنسبة 01: 15 ضعف ارتفاعه فوق سطح الأرض. وفى منتصف القرن التاسع عشر افترض أحد العلماء أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزرا طافية على بحر من صخور ذات كثافة عالية، وبناء على ذلك فلا بد للجبال لضمان ثباتها واستقرارها على هذه المادة الأكثر كثافة أن تكون لها الجذور التي ذكرناها، والقرآن الكريم قد وجه الإنسان إلى تلك الحقيقة من خلال الآية الكريمة (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا). ومع تطور العلوم انتقل موضوع جذور الجبال من المرحلة النظرية إلى واقعٍ ملموسٍ بفضل من الله وبمعرفة تركيب الأرض الداخلي عن طريق القياسات السايزمية التي كشفت أن القشرة الأرضية الصلبة التي نعيش عليها لا تمثل إلا طبقة رقيقة جدا قياسا بما تحتها من طبقات أخرى أعلى كثافة منها، وهي الوشاح Mantle (كثافته 3.3)، ثم عرف الدارسون لعلم الأرض والجبال حقيقة اتزان القشرة الأرضية Isostasy رغم ما تحمله من جبال وتلال ووديان، وأن هذا الاتزان لا يتم إلا من خلال امتدادات من مادة القشرة داخل نطاق الوشاح والتي لا يمكن أن تمثل عمليا إلا بدور الأوتاد في تثبيت الخيمة على سطح الأرض لضمان ثباتها وعدم اضطرابها، وهذه الامتدادات (الجذور) تحت السطحية تتناسب طرديا مع ما يعلو الأرض من تراكيب، فهي جذور ضحلة في حالة المنخفضات وعميقة في حالة الجبال العالية لكي يحدث الاستقرار على هذه الأرض، الذي أشار إليه القرآن (قرارا) في قوله تعالى: (أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).