في عام 2005 انشقت الصحراء في أثيوبيا (كقطعة قماش يشدها شخصان) وتشكل على إثرها خندق عظيم بطول 60 كيلومترا . ورغم أنني سمعت بالخبر حينها إلا أنني فضلت التأكد منه (قبل كتابة هذا المقال) فبحثت في الصور الفضائية الخاصة ب"جوجل" فرأيته بالفعل.. (ويمكنك أن تراه بدورك بإدخال إحدى الجملتين Ethiopien Rift أو African Desert Rift). وهذا الشق العظيم ظهر نتيجة تباعد صفيحتين أرضيتين سطحيتين يتوقع أن تستمرا في التباعد لدرجة وصوله إلى "البحر الأحمر" وتكوين بحر جديد .. وهذا الافتراض الغريب له مايماثله في تاريخ الأرض كون البحر الأحمر نفسه ليس سوى "شق عظيم" نتج عن انفصال أفريقيا عن آسيا عبر ملايين السنين. واستمرت حالة الانشقاق حتى دخلته المياه من مضيق باب المندب جنوبا (وظهر بالتالي البحر الأحمر) في حين مايزال ينفرج من جهة الشمال لدرجة التحامه مستقبلا مع البحر المتوسط على طول "قناة السويس" !! .. وما حدث للبحر الأحمر قديما ، وما يحدث في أثيوبيا حديثا ، هو مجرد نموذج لظاهرة تعرف لدى الجيولوجيين ب"حركة الصفائح" و"زحزحة القارات" .. وفي الحقيقة ؛ من الإعجاز العلمي قوله تعالى {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم كون الرواسي هي "جذور الجبال" في حين تشير بقية الآية الى ظاهرة انزلاق اليابسة وتحرك القارات.. فالقشرة الأرضية التي نعيش فوقها (وتدعى السيال) تتكئ مباشرة على طبقة تحتها تدعى طبقة (السيما) . وهي طبقة لزجة ذات قوام عجيني يسهل انزلاق القارات والصفائح السطحية عليها. ويعتقد العلماء ان قارات العالم كانت قديما قارة عظيمة واحدة قبل ان تنفصل وتتجزأ ويذهب كل منها في اتجاه . ولو نظرت اليوم لخريطة العالم لأمكنك التأكد من هذه الحقيقة من خلال ملاحظة أوجه التطابق بين أطراف القارات السبع (خصوصا قارتيْ أفريقيا وأمريكا الجنوبية)! وفي المقابل تملك الجبال جذورا تمتد في طبقة السيما اللزجة بمسافة تزيد على خمسة أمثال ارتفاعها فوق سطح الأرض بحيث يمكن تشبيهها بجذور الضرس المقلوع .. وحتى عام 1835 كان علماء الجيولوجيا يعتقدون أن الجبال مجرد "كتل صخرية مرتفعة عن السطح" حتى نبه الفرنسي "بيير بوجر" إلى أن قوى الجذب المسجلة لجبال الإنديز ترجح اتصالها ب(جذور) ضخمة في أسفلها. وفي سنة 1889 طرح الجيولوجي "داتون" نظرية سماها "التعادل الهيدروستاتي" مفادها أنه كلما ازداد ثقل الجبل فوق سطح الأرض ازداد عمق جذوره داخل طبقة السيما اللزجة .. وفي عام 1969 طرح العالم الأمريكي "مورجن" نظرية تتضمن اعتماد الجبال ك(أوتاد) تحافظ على توازن الألواح القارية أثناء انزلاقها !! ... ولو رجعنا لقوله تعالى {أَلَمْ نجْعلِ الأَرْضَ مِهَادًا والْجِبالَ أَوْتادًا لوجدنا تطابقا مذهلا بين هذه الحقيقة الجيولوجية واللفظ اللغوي في القرآن الكريم (حيث يشير المعنى اللغوي لكلمة وتد في لسان العرب إلى وتدَ الوتِدُ ، ووتِدَه ، ووتَّد.. وكلها بمعنى ثبَّت ووثق ، وجمعها أوتاد)!! ويقول الإمام الرازي في تفسيره للجبال أوتاداً "أي أوتاداً للأرض كي لا تميد بأهلها" ، ويقول القرطبي "أوتاداً لتسكُنَ ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها" ، في حين جاء في الحديث الشريف : "لمّا خلق الله الأرض جعلت تميدُ فأرساها بالجبال" !! ... ورغم أن الإعجاز لا يحتاج إلى تعليق ، إلا أنه يبقى هناك سؤال محير قد يطرحه البعض مفاده : كيف تعمل الجبال ك{رواسي في حين أنها {تمر مرّ السحاب كما جاء في سورة النمل؟ والجواب هو أن الجبال تبطئ من انزلاق القارات ولكنها لا تمنعها نهائيا . وبما أنها جزء من تلك القارات فانها تتحرك معها في النهاية أينما ذهبت وبالتالي نحسبها {جامدة وهي تمر مرّ السحاب!