استمرارًا لجهود الحفاظ على الإرث العمراني الأصيل لمملكة البحرين، وفي محاولة لاستيعاب التراث الحضاري لمدينة المحرق على وجه الخصوص، قامت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار مساء أمس الأول بزيارة ميدانية إلى مشروع طريق اللؤلؤ، برفقة محمد آل سنان رئيس مجلس المحرق البلدي، وبحضور كل من المهندسة هدى فخرو الوكيل المساعد للطرق بوزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، وعددٍ من المهندسين المختصين في هيئة البحرين للثقافة والآثار، وذلك من أجل الاطلاع على آخر الإنجازات على طريق اللؤلؤ، ومتابعة المشاريع العمرانية، التجميلية والحفاظية في مدينة المحرق وقلبها القديم. وأوضحت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أن العمل على استكمال مشروع طريق اللؤلؤ بدأ فعلًا بعد أن اعتمد مجلس النوّاب القرض الميسّر الذي حصلت مملكة البحرين على موافقته من البنك الإسلامي للتنمية، مشيرة إلى أن الاشتغال الثقافي العمراني الذي تقوم به الهيئة في المنطقة يُكرِّس لاستعادة الحياة في طريق اللؤلؤ الذي يوثق لمرحلةٍ هامةٍ في تاريخ البحرين، وقالت: «أجمل ما يمكن أن نلاحظه هنا هو الاهتمام بالتراث والوعي بأهمية الحفاظ على الإرث الحضاري المكتنز في بيوت الطريق والنسيج العمراني الذي يُحيط به، وجميعنا مسؤولون عن تحقيق هذا الإنجاز الرائع، من مؤسساتٍ عامةٍ وخاصةٍ ومجتمع مدني، كلنا نساند الثقافة ونراهن عليها في الحفاظ على هويتنا». ولفتت إلى أن عمل الهيئة يسعى لأن يجعل من هذا العمران ومن عفوية الحياة في مدينة المحرق العريقة مركز جذب سياحيًا ثقافيًا يتفاعل مع القادمين إليه من كل أنحاء العالم، ويُقدّم تجربة سياحية استثنائية تعرِّف الزوار على الأجزاء الجميلة من حياة البحرينيين قديمًا، مؤكدة مجددًا على أهمية تحقيق تكامل مع كافة الجهات المعنية، فالتجربة السياحية الوطنية تقوم على التفاعل بين مختلف المؤسسات، وكذلك مسؤولية الحفاظ على مكوّنات الهوية المحلية. وكانت الزيارة الميدانية قد انطلقت من متحف البحرين الوطني، حيث منطلق الرحلات البحرية المتوجّهة إلى قلعة بوماهر، وتوجّه الوفد بداية إلى مركز معلومات قلعة بوماهر وما تبقى من القلعة التاريخية؛ ليطلع على مكوّنات المشروع المسجّل على قائمة التراث العالمي منذ عام 2012، والتي تتألف بالأساس من 17 بيتًا تراثيًا تمثل أبرز محطات صناعة اللؤلؤ في تلك الحقبة التاريخية. وتابع الوفد طريقه في الزيارة ليصل إلى بيت الغوص، المحطة التراثية الثانية من بعد مركز زوار قلعة بوماهر والذي استكمل عمليات ترميمه بدعم من عائلة الشيخ راشد بن حسن آل خليفة. وكذلك اطلع الوفد خلال الزيارة على مجموعةٍ من المشاريع الحيوية التي يجري العمل على إنجازها في مدينة المحرّق القديمة، من بينها مشاريع الارتقاء بالسوق القديم، ومقترحات تحسين مستوى الخدمات في المحرق، كتوفير مواقف إضافية للسيارات، وتجميل شوارع ومداخل المدينة بما يُضفي روحًا جمالية للمنطقة تتكامل مع التراث العمراني في المدينة، ويصنع تجربة مغايرة بالنسبة لزوار المكان. إضافة ذلك، تطرّق الوفد خلال الزيارة إلى أهمية الحفاظ على النسيج العمراني للمدينة من خلال ترميم البيوت التاريخية وحفظها من الاندثار، والتأكيد على أهمية الأخذ باشتراطات ترميم وبناء المباني بما يُعزز النسيج العمراني التاريخي في المحرق، ويحافظ على كفاءة الخدمات المقدّمة في المدينة. وأتبعت هذه المحطة زيارة إلى بيت العلوي الذي ما زال تحت الترميم، ثم إلى سوق القيصرية بمدينة المحرق القديمة للاطلاع على المحلات المرمّمة وعمليات الحفاظ التي تسعى للاعتناء بالواجهات القديمة، والإبقاء على العناصر العمرانية القديمة التي تختص بتاريخ المكان. وعلى ذات المسار، زار الوفد عمارة فخرو التي استعادت مكانتها العمرانية واسترجعت جمالياتها الدقيقة من خلال عمليات الترميم والحفاظ المستمرة، بالإضافة لمعاينة مدابس التمر التي تمّ ترميمها وعرضها للزوار لبيان مركز البحرين في إنتاج التمر، وتاريخ هذه المهنة القديمة، كما توقف الوفد في مقهى زعفران المرمّم في قلب سوق القيصرية. من ناحيته، أشار الدكتور علاء الحبشي مستشار الترميم في هيئة البحرين للثقافة والآثار إلى دراسة أجرتها الهيئة تشير الى المردود الاقتصادي المباشر من طريق اللؤلؤ، والذي يتعدّى ستة ملايين دينار سنويًا ما عدا العائد المادي الذي يعود على أهل المنطقة بطريقةٍ غير مباشرةٍ من خلال المشاريع والاستثمارات التي ستروّج لها السياحة الثقافية في المنطقة. من جهته، أشاد محمد آل سنان رئيس مجلس المحرق البلدي بجهود هيئة البحرين للثقافة والآثار في إحياء المناطق القديمة بمملكة البحرين، مؤكدًا على أهمية هذا التوجّه في الحفاظ على التراث الإنساني والحضاري وحمايته من الاندثار أو الاستبدال أمام المتغيِّرات العمرانية المختلفة التي تؤثر على نسيج المنطقة. وأعرب الوفد كذلك عن أمله في أن يُشكِّل استكمال مشروع طريق اللؤلؤ علامة فارقة في تاريخ صناعة السياحة الثقافية في البحرين، كما أعرب عن امتنانه لمجهود هيئة الثقافة في تأهيل الكوادر البحرينية للحفاظ على التراث المحلي وترميمه.