لا يزال مفهوم الخدمة تائها في أروقة بعض المؤسسات الخدمية لدينا أو ربما خارجها، فكثيرة هي المؤسسات ذات الطابع الخدمي التي انصب اهتمامها بشكل كبير ومبالغ فيه أحياناً على الجوانب المادية. (كالمبنى والأثاث والأجهزة والشعارات واللافتات البراقة. في خدمة العميل والاهتمام به... الخ) وهو أمر مطلوب ولا غضاضة فيه، لكن أن يكون على حساب جانب آخر مهم (إن لم يكن أكثر أهمية) وهو الجانب العملي أو سمّه التعامل مع العميل أو المراجع فهنا تكمن الكارثة. أصحاب وخبراء هذه المهنة يقولون ويؤكدون دائماً على أن الخدمة الجيدة والمتميزة يجب أن ترتكز على محورين أساسيين: مادي، ومعنوي، ليس المجال هنا للخوض في المقصود بهذين المحورين، ولكن دعوني أعود ثانية إلى (مفهوم الخدمة التائه أو المشوه). فالخدمة كلمة مشتقة من الفعل خدم، أي قدم خدمة للآخرين، وقد وردت في اللغة العربية كلمات كثيرة تحمل نفس المعنى للفعل (يخدم) مثل: يساعد، ينفع، يفيد، يلائم، يصلح، يناصر، يوفر، بل إن مفهوم الخدمة في اللغة العربية ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير فالخدمة تعني المساعدة وتقديم العون وتعني كذلك المعروف والفضل والجميل.. حقاً إنها معان سامية، فليت أن بعض مقدمي الخدمة والقائمين عليها يدركون هذه المعاني الكبيرة في الخدمة حينما يتعاملون ويمارسون الخدمة في شتى أنواعها. إن كلاً منا متعطش للحصول على الخدمة الجيدة في كل مرة يقصد فيها مرفقاً من المرافق ذات الطابع الخدمي. ومع الأسف نلاحظ إخفاقا ملحوظا في بعض المؤسسات فيما يخص أساليب التعامل، حيث تغفل أبجديات التعامل الجيد تجاه العملاء والمراجعين ويعود ذلك لأسباب عدة لا يتسع المجال هنا لذكرها. لكن بكل تأكيد لم يعد العميل (خاصة في المؤسسات الربحية) يلعب دور المتفرج، ولم يعد يتسامح ويصبر ويتغاضى عن ذلك الإخفاق، بل إنه أصبح يقول كلمته بكل صراحة وكلمته هنا فعلٌ وليست قولا إنه يغادر دون عودة.. وعندما يغادر العميل تغادر معه أمور كثيرة، وهذا الموقف بكل تأكيد لن ترضى عنه إدارة المؤسسة. ومن هنا كان لزاماً على مقدمي الخدمة -في عالم تشتد فيه حدة المنافسة من أجل الاستحواذ على العملاء وكسب رضاهم وثقتهم وولائهم- إتقان العملية الصحيحة للتعامل مع العملاء.. وهذا ما تركز عليه مبادئ الجودة الشاملة التي تضع العميل في قمة الهرم من حيث الاهتمام والرعاية.. والمتتبع لعالم الإدارة والصناعة يلاحظ أن هناك ثورة قد عمت علم الإدارة وعالم الخدمات والتقنية والتسويق وغيرها.. كل هذه الثورات تصب في مساق واحد هو: العميل وتلبية احتياجاته المادية والنفسية والاجتماعية والتنافس على كسب رضاه وولائه.