(الرجل لا يعيبه إلا جيبه) مقولة، أو وصف، أو حكمة تقال كثيرا في مناسبات الخطبة لتحفيز الفتاة المطلوبة للزواج على الارتباط بعريس قادر على كفايتها وتدليلها ماليا. ورغم القدر الكبير من عدم الموضوعية والإنصاف الذي تنطوي عليه تلك المقولة، إلا أن الاعتداد بها لا يزال قائما. صحيح أن المال مرتكز مهم في حياة الأسرة كما هو الحال في جميع مناحي الحياة؛ إلا أن الإبقاء على ترديد تلك العبارة فيه من الإجحاف الكبير للمرأة والرجل أيضا، فهي من ناحية المرأة تجعل هناك تصورا ذهنيا عاما لدى النساء؛ أن قيمة الرجل تختزل في قدرته المالية، وأن امتلاء جيبه ميزة قوية تستطيع أن تحتوي عيوبه مهما كثرت، أما بالنسبة لإجحافها في حق الرجل فيحدث عندما تجعل هذه المقولة؛ فريقا كبيرا من الرجال يحملون عيب قدرتهم المالية الضعيفة.. كنت أظن أن الطبقات ما دون المتوسطة هي التي تفكر بهذا المنطق وأن هذا الكلام محجوب في عرف المثقفين والأثرياء ومن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة وما فوق، لكني تفاجأت أن كثيرين منهم يعيرون أهمية بالغة لمعيار (الجيب الممتلئ). صحيح أن هذه الثقافة الفكرية لا تختص بالمجتمع السعودي وأنها ظاهرة عالمية، لكن وجودها في مجتمعنا وتفشيها مؤخرا في الفكر الاجتماعي -خاصة عند الفتيات- أمر يبعث على القلق في مستقبل الأسرة السعودية، فكثير من الفتيات يضعن شرط القدرة المالية المرتفعة في أعلى شروط الزواج، وقد أدهشني أن تفكر بتلك الطريقة أيضا مجموعة من الفتيات ممن لا يملكن مقومات جمالية أو تعليمية أو غيرها من المميزات التي تجعل هناك مجالا لتحقيق شرط الثراء في زوج المستقبل! مما ينذر بارتفاع معدلات العنوسة. أيضا لم تعد الأرقام المرتفعة لحالات الطلاق مستغربة كثيرا، خاصة تلك التي تحدث في السنة أو الأشهر الأولى من الزواج. فالفتاة تأتي من خلفية تربوية لم تتعلم منها بطريقة جيدة كيف تكون زوجة بالمعنى الحقيقي، تأتي وتصاب بالإحباط والتعب أمام أبسط أعمالها المنزلية أو المشكلات اليومية. والزوج العاجز عن استقدام خادمة وسائق؛ عليه أن يتوقع سيناريو سيئا سيصادفه كثيرا في يومياته، فكما توقع هو أن يرتبط بفتاة جميلة رومانسية تقوم بتدليله كهارون الرشيد دائما بدون كلل ولا ملل فتفاجأ بواقع آخر هي أيضا -الزوجة- كانت محملة بصور ذهنية خاطئة عن مؤسسة الزواج وتفاجأت بواقع مغاير. اللافت في احصائيات الطلاق ليس تلك التي تحدث في الأشهر الأولى رغم ارتفاعها، فمعظمنا يفهم التغير الاجتماعي الذي اعترى ظروف اليوم، وأوجد جيلا جديدا لا يستطيع تحمل المسؤولية. لفت انتباهي وأثار حزني حالات الطلاق المرتفعة في الزيجات التي أمضت عشرين سنة وأكثر! لقد كانت لنساء موظفات شعرن بعد عمر وظيفي بأنهن قادرات على الاستقلال المادي والاجتماعي فأقدمن على هذه الخطوة، وأنا أحترم بشدة الصابرات منهن ممن امتلكن أسبابا وجيهة لطلب الانفصال بعد عمر طويل من الصبر والتفاني في تربية الأبناء، لكني أعتب كثيرا على نساء كان عذر الحرمان العاطفي أحد أسباب طلبهن للطلاق! أنا لست ضد البحث عن الإرضاء العاطفي، لكن يجب أن يكون من خلال حلول إصلاحية وترميم البيت العاطفي داخل نطاق الأسرة وليس بعيدا عنها. * إعلامية وباحثة اجتماعية