وكما استذكرت في حلقة الأسبوع الماضي بعضاً من طفولة في ربوع مهبط الوحي ومهد الرسالات مكةالمكرمة والتي أعتز وأفتخر وأتشرّف بالولادة على أرضها وأين!! بجوار بيت الله العتيق!! كم أنا حظيظ بهذا المكان وتلك البقعة الطاهرة والتي كنت أتمنى أن أعيش بها طفولتي وشبابي حتى أصبح كهلاً ولكن أنت تريد وأنا أُريد والله يفعل ما يريد!! وعلى ذكر الحلقة الأولى الماضية تلقيت العديد من الاتصالات والرسائل وبعضا من التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من اخوة أعزاء كرام تربطني بهم علاقة منها القديم ومنها الحديث اشادة وتصويبا سوف تكون بالنسبة لي عامل تشجيع وتحفيز بإذن الله. وأعود الآن أحبتي لذكريات الماضي والتي أؤكد مرة أخرى أنها ليست استعراضاً لحياة خاصة بقدر ما هي ذكريات وليست مذكّرات! ووصف أنثره كشاهد على فترة مررت بها طفولةً وشباباً تتحدّث عن مكان وزمان عبْر حياة مليئة بتجارب من خلال أشخاص كان لهم تأثير كبير فيها وخاصة من وضع الورد في طريقي بدل الأشواك.. والكفاح بدل الانكسار الذي اراده البعض بقصد أو بدونه، المهمّ أن عجلة الحياة دارت ولم تنته حيث وجدت نفسي بين ليلة وضحاها ولتعيين الوالد -أطال الله في عمره وأمدّه بصحته وعافيته- رئيساً لهيئة البادية في منطقة عسير وبالتحديد في عاصمتها (أبها).. حيث كغيري من أطفال ذاك الزمان كانت طفولتي بريئة وكانت بعيدةً عن حنان والدة كنت بالنسبة لها كلّ الدنيا وما فيها عزائي في هذا عبثية تلك الطفولة.. وأن تستسلم للواقع والتي لم تكن تهتم بالجانب العاطفي ومدى الحرقة والألم والتي سوف تظل مغروسةً في حنايا قلبها بل كلّ قطعة في جسدها وبين والد يراني الابن الوحيد والغالي عنده وأنّ الوضع يتطلّب أن أكون رفيق دربه وحياته. من هنا بدأت حياة السعادة كما تصورّتها، ولكن كانت بالنسبة للوالد بداية حياة العناء والشقاء والتفكير بهذا الطفل الصغير والشّقي، وكيف يهتم به ويراعيه لما صاحبه من أوجاع الطفولة!! وكان الله بكلانا رحيما وهو أرحم الراحمين. وتمّ شدّ الرحال من مكةالمكرمة. وصلنا إلى أبها في بداية السبعينيات الهجرية وكان أميرها حينذاك الأمير تركي الأحمد السديري -رحمه الله وغفر له-. وكانت أبها حينذاك أشبه بالقرية شوارعها ترابية لا كهرباء ولا ماء ولا خدمات تُذْكر تتم إضاءة شوارعها بمصابيح بالجازولين البدائية بواسطة متعهد من البلدية علي بن حسن وكان مهندس تلك النوعية من الإضاءة وكنت أحمل له بين فترة أتاريك منزلنا لإصلاحها وصيانتها، وكنت أشاهده في اليوم مرتين عند المغرب حاملاً على عصا خشبية من الجهتين إضاءة الشوارع وما يسمّى (بالسدّ) وهي الشوارع الضيّقة، ومرة أخرى بعد صلاة كلّ فجر لجمعها تتخللّها جولة ليلية للتفقد وتعبئة ما خفتت إضاءته!! أما المنازل المبنية من الطين والحجر والذي يسمّى في منطقة عسير (بالّرقف) ليحميها من الأمطار فكما ذكرت لا توجد بها كهرباء بل فوانيس على الجازولين، أما بعض الأسر الموسرة فلديها الأتريك وهو أقوى إضاءة وشبيه بأنوار النيون اليوم ويتم إشعاله بالجازولين وكثيراً ما يتم سقوط ما كنا نسمّيه (بالفتيله) عند تنظيف الزجاج المحيط به أو إعادة ضخّ الحياة له؛ لتقوية الإضاءة وكانت ساعاته ليلاً محدودة جداً ومن هنا نعود للإضاءة الطبيعية مثل الفانوس أو ما يسمّى في أبها (بالّلنّبه)، وهي عبارة عن صفيحة صغيرة للجازولين موصل بها خيط يتم إشعاله بالكبريت ولي معها ذكريات فكم سهرت معي عندما التحقت بالمدرسة للمذاكرة على ضوئها الخافت وقرأت تحت ضوئها الخافت وأنا بالمرحلة الإبتدائية بعض الكتب ومجلدات من القصص والروايات، وربّما البعض يستغرب كيف يتم هذا وأنا في مرحلة الإبتدائية! وسأكمل الحديث بإذن الله الأسبوع القادم