يستخدم السياسيون في إيران وعملاؤها الأحداث التاريخية والتفسيرات الدينية المتطرفة لتوسيع نفوذ العرق الفارسي في المنطقة، بعد أن مارسوا أبشع صور الإذلال للأعراق الأخرى في الداخل الإيراني، لا سيما العرب، ومع هذا يصرون على ربط مشروعهم السيئ بالإمام المهدي الذي هو من صلب النبي العربي «محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم». وبعيداً عن الاختلافات المذهبية، وفي إطار المذهب الواحد حول حقيقة وهوية المهدي المنتظر ودوره، والتوصيفات التي تطلق عليه، يبقى السؤال الأهم، هل سينصاع فرس إيران لرجل من أصل عربي وإن كان من آل البيت الطاهرين؟ إذا كان ذلك ممكناً، فمن المفترض أن تحتفي قيادة إيران الفارسية بالعرب، لا سيما في الأحواز والجوار العربي. قبل عقد من الزمان على أقل تقدير، وضعت يدي في يد المعارض البحريني نبيل رجب، إبّان الحملة التي قادها مع جماعته فيما كان يُعرف بمركز البحرين لحقوق الإنسان، حينما استضاف محامين أمريكيين متطوعين للدفاع عن المساجين دون محاكمة في جوانتنامو، فالأجندة المعلنة هي تعزيز الشرعية وحقوق الإنسان العربي المسجون هناك دون أن يُحاكم وتُعرف مدى علاقته بالإرهاب. كان فريداً أن أرى حجم الصرف الكبير الذي يتكلفه مركز غير مرخص في البحرين يديره رجل عاطل عن العمل، ومع مرور الوقت وصلت إلى نتيجة منطقية هي أن المقصد لم يكن الوقوف مع عرب مظلومين في جوانتنامو، بقدر ما كانت محاولة للضغط على الحكومات الخليجية من جهة، وربما توطيد علاقات بين تلك الجهات ومنظمات إرهابية. (لا أريد أن أتحدث عن المربع الأكثر صعوبة في تفسير العلاقات الفارسية مع الجماعات المتطرفة والإرهابية الشيعية والسنية على حد سواء، ودورها في تفجير الخبر، والقاعدة في اليمن، وداعش في سوريا، وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تقودها أجهزة يصعب فهمها بدقة إلا بتحليل سلوكها على الأرض، والمستفيدين من وجودها). أتذكر جيداً أول صدمة حينما كان قريب نبيل رجب - والذي تم تقديمه فيما بعد باعتباره قياديا في شباب إحدى الجمعيات البحرينية المتطرفة -، يسأل مستشارا قانونيا أمريكيا متطوعا في الدفاع عن حقوق سجناء جوانتنامو عن سبب السياسة الأمريكية ضد إيران، ويؤكد أن المساس بإيران يعني خسارة الشعوب، وأن ثقافتنا وأكلنا وولاءنا لإيران، قبل أن يحضر نبيل رجب ليقلنا مع المحامين الأمريكيين لأحد المطاعم الإيرانية في البحرين. بعيداً عن المنتفعين مالياً أو وجاهةً من علاقتهم بالفرس، هل يمكن اعتبار الحكم الفارسي بالقوة خياراً للعرب في أي منطقة؟ وهل يشاطرون بعض العرب أمنياتهم بظهور رجل مهدي من أصول عربية يسحب من أيديهم الأموال التي تؤخذ من الضعفاء لتصرف للعملاء، أو في حروب هدفها الهيمنة على المنطقة؟ من ينظر إلى واقع وآلام الأحواز بعقلانية يراهم يعانون الاضطهاد والمذلة بسبب العرق منذ احتلالها إبان احتلال الإسرئيليين للأراضي العربية الفلسطينية، وتجريدهم من هويتهم ومنعهم من تعلم اللغة العربية التي هي لغة القرآن، ولغة النبي «عليه وآله الصلاة والسلام»، ولغة المهدي المنتظر أيضاً. في العراقولبنانوسوريا واليمن التي بسطت فيها إيران نفوذها بالقوة، تعاني تلك الشعوب من ضياع الدولة المشتتة بين أهدافها الفارسية ومصالحها الوطنية. في العراق تكريس الطائفية بدلاً من النهضة والسلام، وفي سوريا ظلّ الشعب نصف قرن خارج نطاق الحضارة يقتات من الاغتراب خارج الوطن، في حين كانت دائرة الأسد تهيمن على الأموال، تقتل الرجال وتستحيي النساء بصورة تشابه إلى حد كبير استضعاف الفراعنة لبني إسرائيل. أما لبنان فالدولة متعطلة منذ أن دانت لحزب الله بعد سلسلة اغتيالات وإرهاب وتهديد، وبدلا من الشروع في بناء دولة، تركت لبنان التي يُفترض بأنها وطنهم لتدخل في حروب بالوكالة لقتل مزيد من العرب السوريين الأبرياء للحفاظ على النظام العميل لإيران. أما في اليمن فالصورة باتت واضحة منذ انقلاب الحوثيين على الحكم، وتعاونهم مع رئيس مخلوع شعبياً لتحقيق مصالح إيرانية على حساب الأمن والتطور. كل هذه الحقائق تعيدنا مرة أخرى للفضول حول جواب منطقي على السؤال الأول: هل سيطأطئ الفرس رؤوسهم وراء رجل عربي؟ أما السؤال الأصعب فهو: هل سيسعد المهدي العربي بما تفعله إيران بالأحوازيين والعرب؟ * عضو مجلس إدارة آفاق الإعلامية – كاتب ومستشار إعلامي