قطار الزمن يمضي بنا للأمام ونحن جزء من حركته في هذه الدورة الكونية الطبيعية، فهذا القطار يتنقل بنا من محطة لمحطة ومن مرحلة لمرحلة، ينعطف بنا هنا وهناك، ويصعد بنا ويهوي، يطاوعنا مرة ويعارضنا مرة وتلك هي سنة الله، فتمام الأمر وكماله لا يكون إلا في الجنة، أما الدنيا فهي ميدان التقلبات وحديقة التحولات والثابت الوحيد فيها هو التغيير. ثمة إشكالية عند البعض حول فكرة فوات القطار، قطار الزواج قطار المتعة قطار الفرصة قطار التغيير وغيرها، فمن قال إن الزواج الذي هو سنة كونية ثابتة وحاجة بشرية رئيسة هو ضد المتعة والراحة ومن هذا المنطلق يؤجله البعض بغاية الاستمتاع بالشباب والحرية والقليل من المسؤوليات ثم يتزوج تحت وابل من الضغوط تحت حجة فات القطار!! ولو فكر وتأمل لما قسم حياته لقسمين احدهما السعادة والحرية والراحة قبل الزواج، والمسؤولية والانشغال والهم والكدر بعد الزواج، وهذا تصور خطير جعل شريحة غير قليلة من الشباب لا يقدمون على الزواج؛ لأن تصوراتهم عن الحياة إما أبيض أو أسود، والحق أن الإنسان لا يفوته قطار السعادة والراحة والحب بعد الزواج، بل هي تجربة مهمة ليتصالح مع نفسه ويكون أكثر سعادة وإنتاجا في ميدان الحياة. وعلى الجانب الآخر يؤخر البعض سعادته ومتعته وراحته إلى ما بعد التقاعد ويقنع نفسه بأن كل ما قبل هذا شقاء وانه لا سعادة ولا راحة إلا بعد ذلك، وهذه عقدة أخرى لتأجيل المتعة والراحة والسرور. وعندما يتقاعد يخدع نفسه مرة أخرى بحجة فات القطار، وفي جانب ثالث يؤجل البعض سعادته ومتعة أولاده إلى أن يصل إلى حد مالي معين في عالم التجارة، وما قبله تقشف شديد وحرمان واسع تحت حجة الوصول لصناعة الثروة، وفي النهاية يكون هو حارسا على المال ولم يستفد منه على الإطلاق!!. الإنسان العاقل والحكيم يؤمن بأن قطار السعادة والراحة لا يفوت وأنه موجود في كل محطة من محطات الحياة فلا هو بحاجة لأن يؤجل زواجه من أجل المزيد من السعادة ولا هو بحاجة إلى تأجيل متعته وراحته إلى ما بعد التقاعد ولا هو بحاجة إلى حرمان نفسه من المال بحجة جمعه لصناعة الثروة، فهذا الترحيل والتأجيل حرمان للنفس من متعة مستمرة وسعادة حاضرة بكل تفاصيل الحياة طابعها التوازن، فالسعادة والراحة والأُنس هي في النهاية طريقة تفكير صحيحة تتصالح مع كل المراحل ولا تتصادم معها.