أعتقد أن كل من ارتقى متن قطار المشاعر سيرفع قبعته التي اعتمرها بعدما أنهى مناسك حجه، كون هذا القطار (المترو) أدى مهمته بنجاح كبير دون أدنى مجاملة. بالصدفة البحتة كنت ضمن أول رحلة حية يقوم بها قطار المشاعر بعدما امتلأت عرباته عن آخرها بالحجاج، حيث اكتمل نصابه 3000 حاجة وحاج، وعندما بدأ بالتحرك من محطة منى إلى محطة عرفات، ارتجفت أطرافي لما سمعته من سلبيات عن هذا القطار، حيث شبهه البعض بقطار مناحي، أو بحافلات البلد أو غيره من المسميات التي تندر بها الناس حول شكله ولونه وسرعته، وحاولت أن أتمالك نفسي حتى لا يظهر ارتباكي إلا أنني وجدت أن الخوف هو السمة السائدة التي بدت على الجميع بلا استثناء، وبعد دقائق قليلة من الانطلاق تسللت الثقة شيئا فشيئا بين الحجيج بعدما شاهدوا دقة الأداء، وجودة التصميم الداخلي، والسرعة الفائقة، والاتزان داخل العربات مما أشاع الراحة والطمأنينة، بشكل لم يكن يتوقعه ركاب القطار، فيما استغرقت الرحلة بين منى وعرفات حوالى 12 دقيقة فقط، كما استغرقت الرحلات بعد ذلك بين منى ومزدلفة، وبين منى والجمرات دقائق بسيطة كانت سببا في شعور الحجيج بكثير من الراحة والطمأنينة في أداء مناسكهم. الجدير بالذكر أن القطار لم يكن سببا في أي ازدحام أو اختناق في شوارع عرفات ومزدلفة ومنى، حيث إن سكة القطار والجسور والمحطات الخاصة به ترتفع عن الأرض بحوالى 20 إلى 30 مترا، ناهيك عن متعة مشاهدة المشاعر المقدسة من هذا الارتفاع. وللحق شهد الكثير من الحجاج الذين تتعدد سفراتهم حول العالم أن هذا المترو هو نسخة طبق الأصل من مثيله المستخدم في الدول المتقدمة، ولا فرق بين قطار المشاعر وتلك القطارات سوى اللون فقط. ورغم أن الخدمات والمحطات والمشاريع العملاقة التي أعدت لتشغيل القطار تعمل بثلث طاقتها فقط، كما صرح المسؤولون بذلك، إلا أنه للحق أيضا شهد الكثير من الحجاج أن هذا الثلث أدى مهمته بنجاح وتفوق لا مثيل له. وإذا كان هناك من سلبيات لا بد أن تذكر فهي طول المسافة بين الجمرات ومحطة القطار، فالمسافة كبيرة بالنسبة لكبار السن والعجزة، رغم أن الشركة المشغلة وفرت عربات تعمل بالكهرباء لنقل الحجيج من الجمرات إلى المحطة، إلا أنها لم تكن بالعدد الكافي، إضافة إلى سوء التنظيم الذي كان سببا في استخدامها من قبل صغار السن والأصحاء، مما فوت الفرصة على كبار السن والعجزة من الحجيج. ولأن كل ما زاد عن حده انقلب ضده، فإن كثرة التنبيهات من قبل إدارة محطات القطارات عبر مكبرات الصوت محذرين ومنبهين الركاب بأخذ الحيطة والحذر من الفجوة البسيطة بين القطار والرصيف، ربما أزعجت الركاب لكثرة ترديدها، حتى في عدم وجود قطارات داخل المحطة. وفي الأخير.. لا يمكن أن ينكر محب أو سوي هذه الجهود الجبارة التي قامت بها الجهات المعنية لخدمة هذه الأعداد الهائلة، التي يجمعها المكان والزمان نفسه. فهنيئا للحجيج، وهنيئا لكل من قام على خدمة وفود الرحمن. حسام الشيخ