مع شن أولى الهجمات الجوية في سماء عاصفة الحزم، أبدى محللون وعسكريون واستراتيجيون دوليون ذهولهم وإعجابهم بالجاهزية القتالية العالية التي كانت عليها أطقم الطيارين السعوديين ودقة أهدافهم ومهاراتهم الفذة وقدراتهم العالية جدا. في هذا الاتجاه، تواصل صحيفة «اليوم» عبر الحلقة الثانية فتح ملفات تأسيس القوات المسلحة السعودية وتغوص في حقبة تاريخية لقوات البواسل منذ انطلاقتها لإبراز ما سطره التاريخ في عدة حلقات تتناول بداية التأسيس ومراحل تطور القوات، مستندين في ذلك على المواقع الرسمية للقطاعات العسكرية. وبما أن العمليات مازالت في إطارها الجوي سنبدأ بتاريخ القوات الملكية الجوية السعودية ليتأكد الجميع من أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير دفاعه الأمير محمد بن سلمان عندما اتخذا قرار الضربات الجوية كانا مؤمنين بما تمتلكه قواتنا المسلحة من استعداد لخوض ما هو أكبر من حرب الحوثيين. وكانت السعودية قد بدأت رحلتها مع الطيران بابتعاث 10متدربين ليتعلموا هذه المهنة لتطويرهم ومعرفة آخر تطورات علم الطيران، بعد ذلك تواصلت المباحثات السعودية الإيطالية للحصول على طائرات إيطالية حديثة للاستخدام في الأغراض العامة والاستمرار في تدريب الطيارين المتخرجين من إيطاليا، وتم الاتفاق على الحصول على عشر طائرات إيطالية منها خمس قاذفات قنابل قابلة للاستخدام المدني وثلاث طائرات للتدريب واثنتان للنقل بعضها تقدمه الحكومة الايطالية هدية للحكومة السعودية كبادرة صداقة وعرفانا للمملكة بموقفها السياسي المحايد تجاه الحرب الاثيوبية ورفضها تأييد العقوبات الاقتصادية ضد ايطاليا التي دعت اليها عصبة الأمم في ذلك الحين. وبالفعل تم شحن الدفعة الاولى من تلك الطائرات وهي: ثلاث طائرات تدريب (كابرونشيني Ca0100) على السفينة «فولبي» التي أبحرت من «نابولي» في طريقها الى جدة في 15 صفر 1355ه وتأجل ارسال باقي الطائرات ريثما يتم بناء حظيرة مناسبة لايوائها في المطار ووصول فريق فني ايطالي لاصلاح الطائرات وصيانتها وقد وصل الى جدة. ونعرض في الحلقة الثانية من سلسلة تاريخ القوات المسلحة، تغيرات في مسيرة الطيران السعودي مع تطورات الحرب العالمية الثانية والاستقطابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وقلة الامكانات المتاحة للمملكة آنذاك للانفاق على أعمال تدريب الطيارين وصيانة الطائرات. إذ أدت الى عرقلة اعمال التدريب في مدرسة الطيران، وبعد ان تلقى الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - عرضا من بنك مصر لتمويل تدريب الطيارين السعوديين في المعاهد المصرية بشروط ميسرة قرر جلالته اقفال المدرسة في جدة مؤقتا وتحويل الطيارين المتدربين الى مصر. وبالفعل تم إغلاق المدرسة وتحويل طلبتها الى مصر لدراسة الطيران في المدرسة المصرية للطيران بمطار «الماظة» وأعيدوا الى جدة مع بداية الحرب العالمية الثانية، إلا ان ثلاثة منهم طلبوا البقاء في مصر على مسؤوليتهم لمواصلة الدراسة على نفقتهم الخاصة فسمح لهم ذلك. وكان ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز قد قام بزيارة رسمية لايطاليا، من أبرز أهدافها الاطلاع على تقدم ايطاليا في مجال الطيران والصناعات الحديثة، وتفقد خلال تلك الزيارة سير اعمال التدريب لبعثة الطيران السعودية هناك. وقد غادرت البعثة ايطاليا على دفعتين في محرم وربيع الاول 1354ه بعد أربعة عشر شهرا من التدريب المتواصل الجاد وكانت عودتهم الى ارض الوطن حدثا مهما ارخته الصحف الصادرة في ذلك الحين. وافاضت في الحفاوة بهم واستعراض الآمال التي يعقدها الوطن عليهم. وقد وصفت صحيفة أم القرى حفاوة الاستقبال الذي لقيته الدفعة الأولى من الخريجين بكلمات رشيقة معبرة: «تم استقبال النسور العربية بالزوارق». عندما ندلف إلى تاريخ القوات الجوية الملكية السعودية، نجد أن البعثة «الدفعة الأولى» المتجهة إلى إيطاليا قد غادرت جدة على الباخرة «صوماليا» فودعت على الرصيف وداعا حافلا، وسيجري اختبارها بأسمرة من الوجهة الصحية والفنية ومنها ستبحر إلى إيطاليا. وقد كان الناجحون في الفحص الطبي من «أسمرة» كل من عبدالقادر بصراوي، وكامل عبدالقادر حلمي، وصالح عبدالكريم الخطيب وضياء الدين حكيم ونجح في الفحص الطبي من المجموعة الثانية كل من صدقة طرابزوني وحمزة طرابزوني وأمين شاكر وعبدالله مندلي وسعيد بخش وصالح عالم، وهكذا أصبح مجموع الطلبة في المجموعتين عشرة متدربين. وبدأت دراسة اللغة الإيطالية على ظهر السفينة التي أقلتهم إلى نابولي ووضع لهم برنامج تدريب خاص يتطلب إنجاز 185 ساعة طيران على أنواع مختلفة من الطائرات ذات الجناح وذات الجناحين والطائرات المائية، يسبقه شهران من التدريب العسكري فقط. وبعد أن أتم الطلبة التدريبات الأولى في مدرسة الطيران المركزية في «جروتالييه» انتقلوا الى مدرسة القاذفات في «مالبنسا» ثم الى مدرسة الطيران البحرية لدراسة الملاحة في «ارتوبيلو» التي كانت تعد إحدى أكثر مدارس الملاحة الجوية تقدما في العالم في ذلك الحين، وخلال التدريب اضطر الطالب صدقة طرابزوني للقفز بالمظلة «الباراشوت» من طائرة التدريب وهي من طراز «انسالدوا» بعد ان توقف محركها. وقد حدث ذلك في مطال «جلوراتي» بالقرب من «ميلانو» فكان بذلك أول طيار سعودي يقفز بالمظلة. الطيران قبل 82 عاما قام سمو ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز في محرم 1354ه بزيارة رسمية لايطاليا، من أبرز أهدافها الاطلاع على تقدم ايطاليا في مجال الطيران والصناعات الحديثة. وقام سموه خلال تلك الزيارة بتفقد سير أعمال التدريب لبعثة الطيران السعودية هناك، وقد غادرت البعثة ايطاليا على دفعتين في محرم وربيع الاول 1354ه الموافق مايو ويونيو 1935م بعد أربعة عشر شهرا من التدريب المتواصل الجاد وكانت عودتهم الى أرض الوطن حدثا مهما أرخته الصحف الصادرة في ذلك الحين وأفاضت في الحفاوة بهم واستعراض الآمال التي يعقدها الوطن عليهم. وقد وصفت صحيفة ام القرى في عددها في 11 محرم 1354ه حفاوة الاستقبال الذي لقيته الدفعة الأولى من الخريجين «في صباح يوم السبت أخذ المستقبلون يمتطون الزوارق لاستقبال النسور العربية في عرض البحر فلقيت الزوارق الباخرة قبيل الميناء وصعد المستقبلون الى الباخرة وفي مقدمتهم سعيد أفندي كردي قائد الحامية العسكرية باسم وكالة الدفاع، ولم تكن إلا دقائق معدودات حتى غصت الباخرة بأبناء الوطن يسلمون على نسور الوطن ويهنئونهم وكان الذين قدموا من بعثة الطيران هم مع حفظ الالقاب: عبدالقادر بصراوي، عبدالله منديلي، حمزة طرابزوني، صدقة طرابزوني، امين شاكر، صالح عالم، سعيد بخش، كامل حلمي. ثم استقل المستقبلون زوراقهم الى الرصيف الذي غص برجال الحكومة وأفراد الشعب على اختلاف طبقاتهم.وفي الساعة الخامسة اطل زورق النسور فاشرأبت الاعناق تتطلع الى نواة الاسطول الجوي للوطن ودوى الفضاء بالتصفيق الحاد وما وطئت اقدامهم أرض الرصيف حتى تقدم المستقبلون بصافحونهم في شوق وحرارة وهم يسيرون الى المكان المعد لجلوسهم. وقد استقبلهم هناك باسم الحكومة الشيخ علي طه، وبعد ان استقر المقام بهم تقدم الاستاذ حسين نصيف بكلمة عبر فيها عن شعور الشعب وتقدم الاستاذ عبدالجليل عبدالجواد، فألقى كلمة عامرة باسم الشباب في جدة، ثم محمد سعيد عبدالمقصود فحياهم في كلمة حسنة باسم شباب مكة نالت الاستحسان، وتلاه الاستاذ فؤاد شاكر فتلا قصيدة رائعة بعض أبياتها قوطعت بالتصفيق الحاد ثم تقدم الاستاذ عمر نصيف فالقى كلمة حسنة باسم الاميرية ثم التلميذ محمد حسن اصفهاني فحياهم في كلمة جيدة باسم مدارس الفلاح». طائرات إيطالية وبعد عودة هذه البعثة إلى جدة تواصلت المباحثات السعودية الإيطالية للحصول على طائرات إيطالية حديثة للاستخدام في الأغراض العامة والاستمرار في تدريب الطيارين المتخرجين في إيطاليا، وتم الاتفاق على الحصول على عشر طائرات ايطالية منها خمس قاذفات قنابل قابلة للاستخدام المدني وثلاث طائرات للتدريب واثنتان للنقل بعضها تقدمه الحكومة الايطالية هدية للحكومية السعودية كبادرة صداقة وعرفانا للمملكة بموقفها السياسي المحايد تجاه الحرب الاثيوبية ورفضها تأييد العقوبات الاقتصادية ضد ايطاليا التي دعت اليها عصبة الامم في ذلك الحين. وبالفعل تم شحن الدفعة الاولى من تلك الطائرات وهي: ثلاث طائرات تدريب (كابرونشيني Ca0100) على السفينة «فولبي» التي ابحرت من «نابولي» في طريقها الى جدة في 15 صفر 1355ه الموافق 6 مايو 1936م وتأجل ارسال باقي الطائرات ريثما يتم بناء حظيرة مناسبة لايوائها في المطار ووصول فريق فني ايطالي لاصلاح الطائرات وصيانتها. وقد وصل الى جدة في 23 ربيع الاول 1355ه الموافق 12 يونوي 1936م النقيف شيكو كمدرس طيران والرقيبان «سلفاتوري ارزيلو وماريو ماتسي» للقيام بأعمال الاصلاح والصيانة، وافتتحت في جدة في 29 ربيع الاول 1355ه الموافق 18 يونيو 1936 مدرسة لتعليم الطيران باشراف المدرس الايطالي الكابتن «شيكو» وقام سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز في 28 ربيع الآخر 1355ه الموافق 17 يوليو 1936م بزيارتها والوقوف على نشاطاتها وكان مدير مدرسة الطيران في ذلك الحين القائد سعيد كردي وكان مرتبطا اداريا بوزير المالية ووكيل الدفاع عبدالله بن سليمان وتشير الوثائق الى ان الطيار الروسي «نيكولا نادي نوف» وهو نقيب سابق في جيش القصير عمل في المملكة لاعوام عديدة مع ثلاثة ميكانيكيين روس آخرين هم «ماكس ماكسيم وفاديم، وانديانوف» كانوا من العاملين في تلك المدرسة هي التي قامت بالعرض الجوي في سماء مكةالمكرمة في 14 ذو القعدة 1355ه الموافق 26 يناير 1937. وقام طلبة المدرسة بعد ذلك بعرض جوي آخر في الطائف كان محل فخر واستحسان المسؤولين والمواطنين وفي 9 شعبان من ايطاليا حظيرة طائرات معدنية مساحتها 52/33 مترا وارتفاعها 7 أمتار وشحنت من «جنوا» على متن السفينة «البرتو تريفيس». وقد جمعت وانتهت اعمال بنائها في 12 ذو الحجة 1355ه الموافق 23 فبراير 1937 تحت اشراف المهندس الايطالي «ريتشي» ثم بدأت الطائرات الايطالية من طراز «كابروني 101 CAproni» ذات المحركات الثلاثة والصالحة لاعمال النقل الجوي في الوصول الى جدة، وتم كذلك بناء غرفة لتدريس الطيارين وركن لبعثة التدريب وأعطي مسمى «مديرية مدرسة الطيران» للتشكيل الاداري للمدرسة وعين القائد سعيد كردي مديرا لها وفي 15 محرم 1356ه 27 مارس 1937م وصلت الى جدة طائرتان جديدتان من طراز «كابروني 101» ذات المحركات الثلاثة وكثيرا ما كانت أعمال الطيران تتوقف في المدرسة بسبب نقص قطع الغيار أو زيوت التشحيم أو الوقود، أو لتنفيذ الفحص السنوي للطائرات. الحرب العالمية تطورات الحرب العالمية الثانية والاستقطابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وقلة الامكانات المادية المتاحة للمملكة للانفاق على أعمال تدريب الطيارين وصيانة الطائرات أدت إلى عرقلة أعمال التدريب في مدرسة الطيران، وبعد أن تلقى الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - عرضا من بنك مصر لتمويل تدريب الطيارين السعوديين في المعاهد المصرية بشروط ميسرة قرر جلالته اقفال المدرسة في جدة مؤقتا وتحويل الطيارين المتدربين الى مصر. وبالفعل تم اغلاق المدرسة وتحويل طلبتها الى مصر لدراسة الطيران في المدرسة المصرية للطيران بمطار «الماظة» وأعيدوا الى جدة مع بداية الحرب العالمية الثانية، إلا ان ثلاثة منهم طلبوا البقاء في مصر على مسؤوليتهم لمواصلة الدراسة على نقتهم الخاصة فسمح لهم بذلك. ورغم المبررات العملية لقرار الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بإغلاق المدرسة في جدة فانه - بلا شك - كان قرارا سياسيا أملته الظروف المتغيرة في السياسة الدولية. في الحلقة الثالثة نستكمل تاريخ القوات الجوية وحصاد الثمار الأولى.
طائرة استطلاع ومراقبة الطلبة الطيارون أمام مبنى المدرسة الدفعة الأولى من المبتعثين السعوديين لإيطاليا غرفة تدريب الطيارين