حين حضر المفكر العربي الدكتور محمد عابد الجابري -رحمه الله تعالى- إلى الأحساء، قالها بصريح العبارة: "لقد تمت دعوتي من بعض الأندية الأدبية لكنني فقط استجبت لنادي الأحساء، لمعرفتي أنها واحة وأن في الواحة استدامة حياة تتأصل على أثرها القيم والتاريخ". ذلك لأن الواحات هي من أولى المستوطنات البشرية، حيث استدامة الحياة لتوافر الماء والغذاء والعمل، وهو ما جعل واحة الأحساء إحدى أهم الواحات في الأرض خاصة إذا ما عرفنا أنها أكبر واحة زراعية في العالم مضافاً إلى أن في قرنها الأخير أكرمها الباري بأكبر حقل بترول في العالم، وهو حقل الغوار العملاق، وحقول الغاز لتصبح محط أنظار السابقين واللاحقين، ومما زان هذه الواحة ورفع من قيمتها وسمعتها، هو ما يتحلى به أهلها من طيبة وشهامة وكرم، وما اشتهروا به من حب لواحتهم، وإخلاص في عملهم، وإبداع في صنعتهم، مما جعل هذه الواحة الجميلة مأوى أفئدة من حولها ومن سمع بها. ولذا فهذه الواحة المترامية الأطراف كانت ولا زالت على مر التاريخ لم تتثاءب يوماً ما، فهي دار حياة مستدامة دار علم وثقافة وعمل وتجارة وحركة دؤوبة مستمرة، ففي الشهر المنصرم، افتتح أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، عدة مناسبات وفعاليات، منها تدشين المرصد الحضري بأمانة الأحساء، ومشروع قنوات الري المغلقة التابع لهيئة الري والصرف والمركز الإرشادي للمزرعة المتكاملة التابع لمديرية وزارة الزراعة ومهرجان "ويا التمر أحلى" الذي تنظمه الأمانة، ومهرجان كلنا منتجون لجمعية فتاة الأحساء، والتقى سموه بشباب وشابات الأعمال في الغرفة التجارية، وغير ذلك من المناشط لتتلاحق الفعاليات واحدة تلو الأخرى، ولتعيش الأحساء عرسا من الإنجازات، كذلك قبل شهرين تم تطبيق المسار السياحي الاستراتيجي لأول مرة على مستوى الوطن في واحة الأحساء، والذي تشرف عليه هيئة السياحة والآثار ممثلة في فرع الأحساء، وذلك لأن الأحساء هي المنطقة الجاهزة للتدشين كما دشن وكيل إمارة الأحساء الأستاذ خالد بن عبدالعزيز البراك، أكبر رحلة سفاري على مستوى المملكة، حيث تحركت قافلة من مائة وثلاثين سيارة دفع رباعي، لتجوب كثبان رمال الصحراء بمنطقة بحيرة الأصفر شرق العمران، في تظاهرة شبابية غاية في التنظيم والإبداع. لتبقى هذه الواحة بنخيلها الباسقات ورجالها الطيبين وشبابها الطموح، واحة فكر وعطاء ونماء على مر التاريخ لا تنام ولا تتثاءب.